كتاب سير أعلام النبلاء ط الرسالة (اسم الجزء: 9)

امضِ وَيْلَكَ.
فَمَضَى، فَأَتَى جَعْفَراً، فَقَالَ: يَا يَاسِرُ! سَرَرْتَنِي بِإِقبالِكَ، لَكِنْ سُؤْتَنِي بِدُخُوْلِكَ بِلاَ إِذنٍ.
قَالَ: الأَمْرُ وَرَاءَ ذَلِكَ يَا جَعْفَرٌ، قَدْ أُمِرْتُ بِكَذَا.
قَالَ المِسْكِيْنُ - وَأَقْبَلَ يُقَبِّلُ قَدَمَهُ - وَقَالَ: دَعْنِي أَدخلُ وَأُوصِي.
قَالَ: لاَ سَبِيْلَ إِلَى ذَلِكَ، فَأَوصِ.
فَقَالَ لِي: عَلَيْكَ حَقٌّ، فَارْجِعْ إِلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، وَقُلْ: قَتَلْتُهُ، فَإِنْ نَدِمَ كَانَتْ حَيَاتِي عَلَى يَدِكَ.
قَالَ: لاَ أَقْدِرُ.
قَالَ: فَآتِي مَعَكَ إِلَى مُخَيَّمِهِ، وَأَسْمَعُ كَلاَمَهُ، وَقَوْلَكَ لَهُ.
قَالَ: أَمَّا هَذَا فَنَعَمْ، وَذَهَبَ بِهِ، فَلَمَّا دَخَلَ يَاسِرٌ، قَالَ: مَا وَرَاءكَ؟
فَذَكَرَ لَهُ قَوْلَ جَعْفَرٍ، فَشَتَمَهُ، وَقَالَ: لَئِنْ رَاجَعْتَنِي، لأُقَدِّمَنَّكَ قَبْلَهُ، فَخَرَجَ وَضَرَبَ عُنُقَهُ، وَأَتَاهُ بِرَأْسِهِ.
فَقَالَ: يَا يَاسِرُ! جِئنِي بِفُلاَنٍ وَفُلاَنٍ.
فَلَمَّا أَتَاهُ بِهِمَا، قَالَ: اضرِبَا عُنُقَهُ، فَإِنِّي لاَ أَقدرُ أَرَى قَاتَلَ جَعْفَرٍ (1) .
وَقَالَ أَبُو العَتَاهِيَةِ:
قُوْلاَ لِمَنْ يَرْتَجِي الحَيَاةَ: أَمَا ... فِي جَعْفَرٍ عِبْرَةٌ وَيَحْيَاهُ؟
كَانَا وَزِيْرَيْ خَلِيْفَةِ اللهِ هَا ... رُوْنَ، هُمَا مَا هُمَا وَزِيْرَاهُ
فَذَالِكُم جَعْفَرٌ بِرُمَّتِهِ ... فِي حَالِقٍ رَأْسُهُ وَنِصْفَاهُ
وَالشَّيْخُ يَحْيَى الوَزِيْرُ أَصْبَحَ قَدْ ... نَحَّاهُ عَنْ نَفْسِهِ وَأَقصَاهُ
شُتِّتَ بَعْدَ الجَمِيْعِ شَمْلُهُمُ ... فَأَصْبَحُوا فِي البِلاَدِ قَدْ تَاهُوا
كَذَاكَ مَنْ يُسْخِطُ الإِلَهَ بِمَا ... يُرْضِي بِهِ العَبْدَ يَجْزِهِ اللهُ
سُبْحَانَ مَنْ دَانَتِ المُلُوْكُ لَهُ ... نَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوْ
طُوْبَى لِمَنْ تَابَ قَبْلَ عَثْرَتِهِ ... فَتَابَ قَبْلَ المَمَاتِ طُوْبَاهُ (2)
__________
(1) ابن خلكان 1 / 338.
(2) " تاريخ الطبري " 8 / 301، 302.

الصفحة 70