كتاب سير أعلام النبلاء ط الرسالة (اسم الجزء: 9)

وَقِيْلَ: إِنَّ الرَّشِيْدَ لَمَّا سَمِعَ وَعْظَ مَنْصُوْرٍ، قَالَ: مَنْ أَيْنَ تَعَلَّمْتَ هَذَا؟
قَالَ: تَفِلَ فِي فِيَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ، وَقَالَ لِي: يَا مَنْصُوْرُ! قُلْ (1) .
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُوْسَى الأَنْصَارِيُّ، قَالَ:
قَالَ مَنْصُوْرُ بنُ عَمَّارٍ: حَجَجْتُ، فَبِتُّ بِالكُوْفَةِ، فَخَرَجْتُ فِي الظَّلمَاءِ، فَإِذَا بِصَارِخٍ يَقُوْلُ: إِلَهِي وَعِزَّتِكَ، مَا أَرَدْتُ بِمَعْصِيَتِي مُخَالَفَتَكَ، وَعَصَيْتُ وَمَا أَنَا بِنَكَالِكَ جَاهِلٌ، وَلَكِنْ خَطِيْئَةٌ أَعَانَنِي عَلَيْهَا شَقَائِي، وَغَرَّنِي سِتْرُكَ، فَالآنَ مَنْ يُنْقِذُنِي، فَتَلَوَتُ هَذِهِ الآيَةَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُم وَأَهْلِيْكُم نَاراً ... } [التَّحْرِيْمُ: 6] .
قَالَ: فَسَمِعْتُ دَكْدَكَةً، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، مَرَرْتُ هُنَاكَ، فَإِذَا بِجَنَازَةٍ وَعَجُوْزٌ تَقُوْلُ: مَرَّ البَارِحَةَ رَجُلٌ تَلاَ آيَةً، فَتَفَطَّرَتْ مَرَارَتُهُ، فَوَقَعَ مَيْتاً (2) .
قَالَ سُلَيْمُ بنُ مَنْصُوْرٍ: كَتَبَ بِشْرٌ المَرِيْسِيُّ (3) إِلَى أَبِي: أَخْبِرْنِي عَنِ القُرْآنِ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ: عَافَانَا اللهُ وَإِيَّاكَ، نَحْنُ نَرَى أَنَّ الكَلاَمَ فِي القُرْآنِ بِدعَةٌ، تَشَارَكَ فِيْهَا السَّائِلُ وَالمُجِيْبُ، تَعَاطَى السَّائِلُ مَا لَيْسَ لَهُ، وَتَكَلَّفَ المُجِيْبُ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ، وَمَا أَعْرِفُ خَالِقاً إِلاَّ اللهَ، وَمَا دُوْنَهُ مَخْلُوْقٌ، وَالقُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ، فَانْتَهِ بِنَفْسِكَ وَبَالمُخْتَلِفِيْنَ فِيْهِ مَعَكَ إِلَى أَسْمَائِهِ الَّتِي سَمَّاهُ اللهُ بِهَا، وَلاَ تُسَمِّ القُرْآنَ بَاسْمٍ مِنْ عِنْدِكَ، فَتَكُوْنَ مِنَ الضَّالِّينَ (4) .
قَالَ الكَوْكَبِيُّ: حَدَّثَنَا حَرِيْزُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي دُؤَادَ، حَدَّثَنِي سَلْمَوَيْه بنُ عَاصِمٍ، قَالَ:
كَتَبَ بِشْرٌ إِلَى مَنْصُوْرِ بنِ عَمَّارٍ يَسْأَلُه عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {
__________
(1) " تاريخ بغداد " 13 / 74.
(2) ذكره بأطول مما هنا في " الحلية " 1 / 328، 329.
(3) هو بشر بن غياث المريسي، القائل بخلق القرآن، ولم يدرك الجهم بن صفوان.
وإنما أخذ مقالته، واحتج بها، ودعا إليها. وسترد ترجمته في الجزء العاشر.
(4) " تاريخ بغداد " 13 / 75، 76، و" حلية الأولياء " 1 / 326.

الصفحة 97