كتاب سير أعلام النبلاء ط الرسالة (اسم الجزء: 10)

وَقِيْلَ: لَمَّا عَزَمَ جَعْفَرٌ البَرْمَكِيُّ عَلَى استِخْدَامِ الفَضْلِ لِلْمَأْمُوْنِ، وَصَفَهُ بِحَضْرَةِ الرَّشِيْدِ، وَنَطَقَ الفَضْلُ، فَرَآهُ الرَّشِيْدُ فَطِناً، بَلِيْغاً.
وَكَانَ يُلَقَّبُ: ذَا الرِّئَاسَتَينِ؛ لأَنَّهُ تَقَلَّدَ الوِزَارَةَ وَالحَرْبِ.
وَكَانَ شِيْعِيّاً، مُنَجِّماً، مَاكِراً، أَشَارَ بِتَجْهِيْزِ طَاهِرِ بنِ الحُسَيْنِ، وَحَسَبَ بِالرَّملِ بِأَنَّهُ يَظْفَرُ بِالأَمِيْنِ.
وَيُقَالُ: إِنَّ مِنْ إِصَابَاتِهِ الكَاذِبَةِ، أَنَّهُ حَكَمَ لِنَفْسِهِ أَنَّهُ يَعِيْشُ ثَمَانِياً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً، ثُمَّ يُقْتَلُ بَيْنَ مَاءٍ وَنَارٍ، فَعَاشَ كَذَلِكَ، وَقَتَلَهُ خَالُ المَأْمُوْنِ فِي حَمَّامِ سَرْخَسَ، فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ.
وَقَدِ امْتَدَحَهُ فُحُولُ الشُّعرَاءِ، فَمِنْ ذَلِكَ لإِبْرَاهِيْمَ الصُّوْلِيِّ:
لِفَضْلِ بنِ سَهْلٍ يَدٌ ... تَقَاصَرَ فِيْهَا المَثَلْ
فَنَائِلُهَا لِلْغِنَى ... وَسَطْوَتُهَا لِلأَجَلْ
وَبَاطِنُهَا لِلنَّدَى ... وَظَاهِرُهَا لِلْقُبَلْ (1)
وَازدَادَتْ رِفْعَتُهُ حَتَّى ثَقُلَ أَمرُهُ عَلَى المَأْمُوْنِ، فَدَسَّ عَلَيْهِ خَالَهُ؛ غَالِباً الأَسْوَدَ فِي جَمَاعَةٍ، فَقَتَلُوهُ (2) ، وَبَعْدَهُ بِأَيَّامٍ مَاتَ أَبُوْهُ.
وَأَظْهَرَ المَأْمُوْنُ حُزْناً لِمَصْرَعِهِ، وَعَزَّى وَالِدَتَهُ، وَقَالَ: إِنَّ اللهَ أَخْلَفَنِي عَلَيْكِ بَدَلَ ابْنِكِ.
فَبَكَتْ، وَقَالَتْ: كَيْفَ لاَ أَحْزَنُ عَلَى وَلَدٍ أَكْسَبَنِي وَلَداً مِثْلَكَ.
ثُمَّ عَاشَتْ وَأَدْرَكَتْ عُرْسَ بِنْتِ ابْنِهَا بُوْرَانَ عَلَى المَأْمُوْنِ (3) .
وَكَانَ الحَسَنُ بنُ سَهْلٍ مِنْ كِبَارِ الوُزَرَاءِ المُمَدَّحِينَ.
__________
(1) الابيات في " تاريخ بغداد " 12 / 341، و" وفيات الأعيان " 4 / 43، و" الطرائف الأدبية ": 136.
(2) انظر " تاريخ الطبري " 8 / 565، و" الكامل " لابن الأثير 6 / 346.
(3) وكان ذلك في رمضان سنة 210 هـ. انظر الطبري 8 / 606 - 609، وابن الأثير 6 / 395، والبداية 10 / 265.

الصفحة 100