كتاب سير أعلام النبلاء ط الرسالة (اسم الجزء: 10)

قَالَ أَبُو المُظَفَّرِ (1) فِي كِتَابِ (مِرْآةِ الزَّمَانِ) : قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ المُهْتَدِي: لَمَّا دَخَلَ المَأْمُوْنُ بَغْدَادَ، نَادَى بِتَرْكِ الأَمْرِ بِالمَعْرُوْفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، وَذَلِكَ لأَنَّ الشُّيُوْخَ بَقَوا يَضْرِبُوْنَ وَيَحْبِسُوْنَ، فَنَهَاهُمُ المَأْمُوْنُ، وَقَالَ: قَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى إِمَامٍ، فَمَرَّ أَبُو نُعَيْمٍ، فَرَأَى جُنْدِياً وَقَدْ أَدْخَلَ يَدَيْهِ بَيْنَ فَخِذَي امْرَأَةٍ، فَنَهَاهُ بِعُنْفٍ، فَحَمَلَهُ إِلَى الوَالِي، فَيَحْمِلُهُ الوَالِي إِلَى المَأْمُوْنِ.
قَالَ: فَأُدْخِلْتُ عَلَيْهِ بُكرَةً وَهُوَ يُسبِّحُ، فَقَالَ: تَوَضَّأْ.
فَتَوَضَّأْتُ ثَلاَثاً ثَلاَثاً، عَلَى مَا رَوَاهُ عبدُ خَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ (2) ، فصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ.
فَقَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي رَجُلٍ مَاتَ عَنْ أَبَوَيْنِ؟
فَقُلْتُ: لِلأُمِّ الثُّلُثُ، وَمَا بَقِيَ لِلأَبِ.
قَالَ: فَإِنْ خَلَّفَ أَبَوَيْهِ وَأَخَاهُ؟
قُلْتُ: المَسْأَلَةُ بحَالِهَا، وَسَقَطَ الأَخُ.
قَالَ: فَإِنْ خَلَّفَ أَبَوَيْنِ وَأَخَوَيْنِ؟
قُلْتُ: لِلأُمِّ السُّدُسُ، وَمَا بَقِيَ لِلأَبِ.
قَالَ: فِي قَوْلِ النَّاسِ كُلِّهِم؟
قُلْتُ: لاَ، إِنَّ جَدَّكَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ مَا حَجَبَ الأُمَّ عَنِ الثُّلُثِ، إِلاَّ بِثَلاَثَةِ إِخْوَةٍ.
فَقَالَ: يَا هَذَا مَنْ نَهَى مِثْلَكَ عَنِ الأَمرِ بِالمَعْرُوْفِ؟ إِنَّمَا نَهَيْنَا أَقْوَاماً يَجْعَلُوْنَ المَعْرُوْفَ مُنْكَراً، ثُمَّ خَرَجْتُ (3) .
رَوَى المَرُّوْذِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: إِنَّمَا رَفَعَ اللهُ عَفَّانَ وَأَبَا نُعَيْمِ بِالصِّدْقِ، حَتَّى نَوَّهَ بِذِكْرِهِمَا.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: قُلْتُ لأَبِي دَاوُدَ: كَانَ أَبُو نُعَيْمٍ حَافِظاً؟
قَالَ: جِدّاً (4) .
__________
(1) هو أبو المظفر يوسف قزا أو غلي المعروف بسبط ابن الجوزي المتوفى سنة 654 هـ، وكتابه " مرآة الزمان في تاريخ الأعيان " لم يطبع منه سوى المجلد الثامن بحيدر آباد سنة (1951 م) .
(2) أخرجه أبو داود (111) و (112) و (113) ، والنسائي 1 / 67، 70، والترمذي (49)
وقال: حديث حسن صحيح، وهو كما قال.
(3) " تاريخ بغداد " 12 / 350.
(4) " تهذيب الكمال " لوحة 1098.

الصفحة 150