كتاب سير أعلام النبلاء ط الرسالة (اسم الجزء: 10)
مُسْتَعِيرٌ مِنْكَ مَكْرُمَةً ... يَكْتَسِيْهَا يَوْمَ مُفْتَخَرِه
وَهِيَ طَوِيْلَةٌ بَدِيْعَةٌ، وَازَنَ بِهَا قَصِيدَةَ أَبِي نُوَاسٍ:
أَيُّهَا المُنْتَابُ عَنْ عُفُرِه ... لَسْتَ مِنْ لَيلِي وَلاَ سَمَرِهْ (1)
قَالَ ابْنُ عُنَيْنٍ: مَا يَصْلُحُ أَنْ يُفَاضِلَ بَيْنَ القَصِيدَتَيْنِ إِلاَّ مَنْ يَكُوْنَ فِي دَرَجَةِ هَذَينِ الشَّاعِرَيْنِ (2) .
وَقَالَ ابْنُ المُعْتَزِّ فِي (طَبَقَاتِ الشُّعَرَاءِ) : لَمَّا بَلَغَ المَأْمُوْنَ خَبَرُ هَذِهِ القَصِيْدَةِ، غَضِبَ، وَقَالَ: اطْلُبُوْهُ.
فَطَلَبُوْهُ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ؛ لأَنَّهُ كَانَ مُقِيماً بِالجَبَلِ، فَفَرَّ إِلَى الجَزِيْرَةِ، ثُمَّ إِلَى الشَّامَاتِ، فَظَفِرُوا بِهِ، فَحُمِلَ مُقَيَّداً إِلَى المَأْمُوْنِ،
فَقَالَ: يَا ابْنَ اللَّخْنَاءِ! أَنْتَ القَائِلُ:
كُلُّ مَنْ فِي الأَرْضِ مِنْ عَرَبٍ ... ... ... ... ...
جَعَلْتَنَا نَسْتَعِيرُ مِنْهُ المكَارِمِ؟
قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! أَنْتُم أَهْلُ بَيْتٍ لاَ يُقَاسُ بِكُم.
قَالَ: وَاللهِ مَا أَبْقَيْتَ أَحَداً، وَإِنَّمَا أَسْتَحِلُّ دَمَكَ بِكُفْرِكَ حَيْثُ تَقُوْلُ:
أَنْتَ الَّذِي تُنْزِلُ الأَيَّامَ مَنْزِلَهَا ... وَتَنْقُلُ الدَّهْرَ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالِ
__________
(1) القصيدة في " ديوان أبي نواس " ص 308 - 311، و" أخبار أبي نواس " لابن منظور ص 134 " وفي الأصل: " من عفره ".
(2) " وفيات الأعيان " 3 / 351، وابن عنين: هو محمد بن نصر بن الحسين بن عنين الأنصاري الكوفي الأصل، الدمشقي المولد، الشاعر المشهور، قال ابن خلكان: كان خاتمة الشعراء، لم يأت بعده مثله، ولا كان في أواخر عصره من يقاس به.
توفي سنة 630 هـ بدمشق، وله ديوان مطبوع بدمشق سنة 1946 بتحقيق الأستاذ خليل مردم بك.
انظر ترجمته في " وفيات الأعيان " 5 / 14 - 19 وسترد ترجمته في الجزء الثاني والعشرين من " السير ".
الصفحة 193