كتاب سير أعلام النبلاء ط الرسالة (اسم الجزء: 10)

بِأَسْرَعَ مِنْ أَنْ جَاءَ الشَّيْخُ، فَسَلَّمَ وَجَلَسَ، فَقَالَ: حَاجَتِي.
فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: نَعْمْ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُوْلَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سِبِيْلِ المُؤْمِنِيْنَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى ... } الآيَةَ [النِّسَاءُ: 115] .
قَالَ: فَلاَ يُصْلِيهِ عَلَى خِلاَفِ المُؤْمِنِيْنَ إِلاَّ وَهُوَ فَرْضٌ.
فَقَالَ: صَدَقْتَ، وَقَامَ فَذَهَبَ.
فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: قَرَأْتُ القُرْآنَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَليلَةٍ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ حَتَّى وَقَفْتُ عَلَيْهِ (1) .
أُنْبِئْتُ بِهَذِهِ القِصَّةِ، عَنْ مَنْصُوْرٍ الفُرَاوِيِّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ البَيْهَقِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ، فَذَكَرَهَا.
__________
(1) وجه الاستدلال بالآية أنه تعالى توعد على متابعة غير سبيل المؤمنين، ولو لم يكن ذلك محرما لما توعد الله عليه، ولما حسن الجمع بينه وبين ما حرم من مشاقة الرسول عليه السلام في التوعد، كما لا يحسن الجمع في التوعد بين الكفر وأكل الخبز المباح، ومخالفة ما أجمع عليه المسلمون اتباع لغير سبيل المؤمنين بالعمل بإجماعهم واجبا.
وأجيب بأنا لا نسلم أن المراد بسبيل المؤمنين في الآية هو إجماعهم لاحتمال أن يكون المراد سبيلهم في متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، أو في مناصرته، أو في الاقتداء به، أو فيما صاروا به مؤمنين، وهو الايمان به، ومع الاحتمال لا يتم الاستدلال.
وقال إمام الحرمين في كتابه " البرهان " فيما نقله عنه صاحب " سلم الوصول " 3 / 869: الظاهر أن الرب سبحانه وتعالى أراد بذلك من أراد الكفر وتكذيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، والحيد عن سنن الحق، وترتيب المعنى: ومن يشاقق الرسول، ويتبع غير سبيل المؤمنين المقتدين به، نوله ما تولى.
فإن سلم ظهور ذلك، فذلك، وإلا فهو وجه في التأويل لائح، ومسلك للانكار واضح، فلا يبقى للتمسك بالآية إلا ظاهر معرض للتأويل، ولا يسوغ التمسك بالمحتملات في مطالب القطع، وليس على المعترض إلا أن يظهر وجها في الامكان، ولا يقوم للمحصل عن هذا جواب إن أنصف، وقال الغزالي في " المستصفى " 1 / 175: والذي نراه أن الآية ليست نصا في الغرض، بل الظاهر أن المراد بها أن من يقاتل الرسول ويشاقه، ويتبع غير سبيل المؤمنين في مشايعته ونصرته، ودفع الاعداء عنه، نوله ما تولى.
فكأنه لم يكتف بترك المشاقة حتى تنضم متابعة سبيل المؤمنين في نصرته والذب عنه، والانقياد له فيما يأمر وينهى.
وهذا هو الظاهر السابق إلى الفهم، فإن لم يكن ظاهرا، فهو محتمل.

الصفحة 84