كتاب سير أعلام النبلاء ط الرسالة (اسم الجزء: 12)

قُلْتُ: مَا هُوَ مِمَّنْ يَكْذِبُ، كَلاَّ، وَكَانَ عَبَثُهُ بِالمُرْدِ أَيَّامَ الشَّبِيْبَةِ، فَلَمَّا شَاخَ، أَقْبَلَ عَلَى شَأْنِهِ، وَبَقِيَتِ الشَّنَاعَةُ، وَكَانَ أَعْوَرَ.
قَالَ أَبُو العَيْنَاءِ (1) : وَقَفَ لَهُ الأَضِرَّاءُ (2) ، فَطَالَبُوْهُ، فَقَالَ: لَيْسَ لَكُمْ عِنْدَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ شَيْءٌ.
فَقَالُوا: لاَ تَفْعَلْ يَا أَبَا سَعِيْدٍ.
فَصَاحَ: الحَبْسَ الحَبْسَ.
فَحُبِسُوا، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ضَجَّوُا، فَقَالَ المَأْمُوْنُ: مَا هَذَا؟
قِيْلَ: الأَضِرَّاءُ.
فَقَالَ لَهُ: وَلِمَ حَبَسْتَهُمْ؟ أَعَلَى أَنْ كَنَّوْكَ؟
قَالَ: بَلْ حَبَسْتُهُم عَلَى التَّعْرِيْضِ بِشَيْخٍ لاَئِطٍ فِي الحَرْبِيَّةِ (3) .
قَالَ فَضْلَكُ الرَّازِيُّ: مَضَيْتُ أَنَا وَدَاوُدُ الأَصْبَهَانِيُّ إِلَى يَحْيَى بنِ أَكْثَمَ وَمَعَنَا عَشْرَةُ مَسَائِلَ، فَأَجَابَ فِي خَمْسَةٍ مِنْهَا أَحْسَنَ جَوَابٍ.
وَدَخَلَ غُلاَمٌ مَلِيْحٌ، فَلَمَّا رَآهُ اضْطَرَبَ، فَلَمْ يَقْدِرْ يَجِيءُ وَلاَ يَذْهَبُ فِي مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ دَاوُدُ: قُمْ، اخْتُلِطَ الرَّجُلُ (4) .
__________
(1) هو محمد بن القاسم بن خلاد بن ياسر الهاشمي ولاء.
المتوفى سنة 283 هـ.
وسترد ترجمته في الجزء الثالث عشر ترجمة رقم (142) .
(2) الاضراء: جمع ضرير، وهو من فقد بصره.
(3) الخبر في " تاريخ بغداد " 14 / 194، 195 بتوسع.
ولفظه بإسناده إلى أبي
العيناء، قال: تولى يحيى بن أكثم ديوان الصدقات على الاضراء، فلم يعطهم شيئا، فطلبوه وطالبوه، فلم يعطهم، فاجتمعوا.
فلما انصرف من جامع الرصافة من مجلس القضاء، سألوه وطالبوه، فقال: ليس لكم عند أمير المؤمنين شيء ... الخبر.
والحربية: محلة كبيرة مشهورة ببغداد عند باب حرب، قرب مقبرة بشر الحافي وأحمد بن حنبل، وغيرهما، تنسب إلى حرب بن عبد الله البلخي، أحد قواد أبي جعفر المنصور، وقد تصحفت في تاريخ بغداد إلى (الخريبة) .
(4) " تهذيب الكمال ": 1486.
وقد أورد الخطيب البغدادي 14 / 197 وابن خلكان 6 / 152 بعض الاخبار التي تذكر ما كان يتهم به يحيى بن أكثم من الهنات المنسوبة إليه كاللواطة وغيرها.
وما إخال أن هذه الاخبار تصح عن قاض كبير كيحيى بن أكثم الذي كان إماما من أئمة الاجتهاد، مما دفع الخليفة المأمون - وهو من هو علما ومعرفة - لان يوليه قضاء بغداد.
ولا سيما أن هذه الاخبار وردت عمن لا يحتج بهم ... وقد قال الحافظ ابن كثير في " البداية والنهاية " =

الصفحة 10