كتاب سير أعلام النبلاء ط الرسالة (اسم الجزء: 13)

قَالَ أَبُو الشَّيْخِ: كثرت الشُّهُود فِي أَيَّامِهِ، وَاسْتقَامَ أَمرُه، إِلَى أَنْ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَلِيّ بن مَتَّويه، وَكَانَ صديقه طول أَيَّامه، فَاتَّفَقَ أَنَّهُ صَارَ إِلَى ابْنِ مَتَّويه قَوْمٌ مِنَ المرَابطين، فَشَكَوا إِلَيْهِ خَرَاب الرِّباطَات، وَتَأَخر الإِجرَاء عَنْهُم، فَاحتدَّ عَلِيُّ بنُ مَتَّويه، فَذَكَرَ ابْن أَبِي عَاصِمٍ حَتَّى قَالَ: إِنَّهُ لاَ يحسن يُقَوِّم سُوْرَة {الحَمْد} . فَبلغ الخَبَر ابْنَ أَبِي عَاصِمٍ، فَتَغَافَل عَنْهُ إِلَى أَنْ حَضَر الشُّهُود عِنْدَهُ، فَاسْتدرَجَهم، وَقرأَ عَلَيْهِم سُوْرَة {الْحَمد} ، فَقَوَّمهَا، ثُمَّ ذكر مَا فِيْهَا مِنَ التَّفْسِيْر وَالمعَانِي، ثُمَّ أَقبل عَلَيْهِم، فَقَالَ: هَلْ ارتضيْتُم؟
قَالُوا: بَلَى.
قَالَ: فَمَنْ زَعَمَ أَنِّي لاَ أَحسن تَقْوِيم سُوْرَة* {الْحَمد} كَيْفَ هُوَ عندكُم؟
قَالُوا: كَذَّاب.
وَلَمْ يَعْرِفُوا قَصْدَهُ، فَحَجَر ابْن أَبِي عَاصِمٍ عَلَى عَلِيّ بن مَتَّويه لِهَذَا السَّبَب.
فَمَاجَ النَّاسُ، وَاجتَمَعُوا عَلَى بَاب أَبِي لَيْلَى -يَعْنِي: الحَارِث بن عَبْد العَزِيْز- وَكَانَ خَلِيْفَة أَخِيْهِ عُمَر بن عَبْد العَزِيْز عَلَى الْبَلَد، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ (281) فَأَكرهَه أَبُو لَيْلَى عَلَى فَسْخِهِ، فَفَسَخَهُ ثُمَّ ضَعُفَ بَصَرُه، فَوَرَدَ صرفُه.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي عَلِيٍّ: سَمِعْتُ بَعْضَ مَشَايِخنَا يحكُون أَنَّهُ حكم بِحَجْرِهِ وَوَضَعَه فِي جُوْنَتِه (1) ، فَأَنفذَ إِلَيْهِ السُّلْطَان، يُكْرهونه عَلَى فَسخه، فَامْتَنَعَ حَتَّى مُنع مِنَ الخُرُوج إِلَى المَسْجَد أَيَّاماً، فَصَبَرَ، وَكَانَتِ الرُّسُل تختَلِفُ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ، فَيَقُوْلُ: قَدْ حكمتُ بحكمٍ وَهُوَ فِي جُوْنتِي مَخْتوم، فَمَنْ أَحَبَّ إِخرَاجَ ذَلِكَ مِنْهَا فَلْيَفْعَل مِنْ دُوْنَ أَمرِي.
فَلَمْ يَقْدرُوا إِلَى أَنْ طُيِّب قلبُه، فَأَخرَجَه وَفسخه.
قَالَ أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيّ: وَجَدْتُ بِخَط بَعْضِ قُدمَاءِ عُلَمَاء أَصْبَهَان، فِيمَا جَمع مِنْ قُضَاتهَا، قَالَ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَحْمَدَ الخَطَّابِي.
وَافَى أَصْبَهَان مِنْ
__________
(1) الجونة: سليلة مستديرة مغشاة أدما.

الصفحة 434