كتاب سير أعلام النبلاء ط الرسالة (اسم الجزء: 15)

وَكَانَ لاَ يَملُّ مِنَ الغَزْو، فِيْهِ سُؤْدُدٌ وَحَزْم وَإِقْدَام، وَسجَايَا حمِيدَة، أَصَابَهُم قَحْطٌ، فَجَاءَ رَسُوْلُ قَاضيه مُنْذر البَلُّوطي (1) يحرّكُه للخُرُوْج، فلَبِس ثوْباً خَشِناً، وَبَكَى وَاسْتغفر، وَتذلَّل لربِّه، وَقَالَ: نَاصيتِي بِيَدِك، لاَ تعذِّب الرَّعيَة بِي، لَنْ يَفُوتك مِنِّي شَيْءٌ.
فَبلغَ القَاضِي، فتهلَّل وَجهه، وَقَالَ: إِذَا خَشَعَ جبَّارُ الأَرْض، يرحم جَبَّار السَّمَاء، فَاسْتَسْقوا وَرُحمُوا.
وَكَانَ - رَحِمَهُ اللهُ - يَنْطوِي عَلَى دين، وَحُسْنِ خُلُقٍ وَمُزَاحٍ.
وَكَانَ دَسْتُه فِي وَقْتِهِ فَوْقَ دَسْتِ مُلُوْكِ الإِسْلاَم.
وَوَزَرَ لَهُ أَبُو مَرْوَان بنُ شُهيد (2) ، وَغَيْرُهُ.
وَنقل بَعْضُهُم أَنَّ وَزيراً لَهُ قَدّمَ لَهُ هَدِيَة سَنِيَّة مِنْهَا: خَمْس مائَة أَلْفِ دِيْنَار، وَأَرْبَعِ مائَةٍ رَطْل تبراً (3) ، وَأَلفَا أَلفِ دِرْهَم، وَمائَةٌ وَثَمَانُوْنَ رطْلاً مِنَ العُود، وَمائَةُ أُوقيَّة مِنَ المِسْك، وَخَمْس مائَة أَوقيَّة عَنْبر، وَثَلاَثِ مائَةٍ أُوقيَّة كَافور، وثَلاَثُوْنَ ثوباً خَاماً، وَستُّ سُرَادِقَات (4) ، وَعشرَةُ قنَاطير سمُّور (5) ، وَأَرْبَعَة آلاَف رطْل حَرِير، وَأَلف تُرْس، وثمَان مائَةِ تِجفَاف (6) ، وَخمسَةَ عشرَ حِصَاناً، وَعِشْرُوْنَ بَغْلاً، وَأَرْبَعُوْنَ مَمْلُوكاً، وَمائَة فَرَس، وَعِشْرُوْنَ
__________
(1) هو منذر بن سعيد بن عبد الله، البلوطي، كان قاضيا، بصيرا بالجدل، منحرفا إلى مذهب أهل الكلام، توفي سنة / 355 / هـ انظر " تاريخ علماء الأندلس ": 2 / 144 - 145.
(2) انظر ترجمته في " الوافي بالوفيات ": 7 / 144 - 148، وفي هامشه مصادر ترجمته.
(3) التبر: ما كان من الذهب غير مضروب، فإذا ضرب دنانير فهو عين، ولا يقال تبر إلا للذهب..وبعضهم يقوله للفضة أيضا.
(4) واحدها: سرادق، وهي تمد فوق صحن الدار.
(5) السمور: حيوان بري يشبه السنور يتخذ من جلده الفراء للينه وخضته ودفئه وحسنه " حياة الحيوان " 1 / 574.
(6) آلة للحرب، يلبسه الفرس والانسان ليقيه في الحرب.

الصفحة 563