كتاب سير أعلام النبلاء ط الرسالة (اسم الجزء: 17)

فَأَخْرَجَ لَهُم المُؤَيَّدَ، وَأَخْرَجَ كِتَاباً قُرِئَ بَيْنهُم بِأَنَّ المُؤَيَّد قَدْ خَلَعَ نَفْسه، وَسَلَّمَ الأَمْرَ إِلَى النَّاصرِ لِدِيْنِ اللهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي عَامِرٍ.
فَشَهِدَ مَنْ حَضَرَ بِذَلِكَ علَى المُؤَيَّدِ (1) ، وَأَخَذَ النَّاصرُ هَذَا فِي التهتُّك وَالفِسْقِ، وَكَانَ زِيُّهُم المكشوفَة، فَأَمَرَ جُنده بِحَلْقِ الشَّعر، وَلبس العَمائِم تَشَبُّهاً ببنِي زِيرِي (2) ، فَبقُوا أَوْحَشَ مَا يَكُونُ وَأَسمَجَهُ، لفُّوا العَمَائِم بِلاَ صنعَةٍ، وَبقُوا ضُحْكَةً، ثُمَّ سَارَ غَازياً، فَجَاءهُ الخَبَرُ بِأَنَّ مُحَمَّدَ بنَ هِشَامِ بن عَبْدِ الجَبَّارِ الأُمَوِيّ ابْنَ عَمِّ المُؤَيَّد بِاللهِ قَدْ توثّب بِقُرْطبَة، وَهدم الزَّهرَاءَ، وَأَقَامَ مَعَهُ القَاضِي ابْنَ ذَكْوَانَ، وَأَنْفَقَ الأَمْوَالَ فِي الشُّطَّار، فَاجْتَمَعَ لَهُ أَرْبَع مائَة رَجُلٍ، وَأَخَذَ يُرتِّبُ أَموره فِي السِّرِّ، ثُمَّ ركب، وَقصدَ دَارَ وَالِي قُرطبَةَ، فَقطع رَأْسَهُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ الأُسْتَاذُ جُوذَرُ الكَبِيْر.
فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بنُ هِشَام: أَيْنَ المُؤَيَّد بِاللهِ؟ أَخْرِجْهُ.
فَقَالَ: أَذَلَّ نَفْسه، وَأَذلَّنَا بضَعْفِه فَخَرَجَ يَطْلُبُ أَمَانَهُ.
فَقَالَ: أَنَا إِنَّمَا قُمْتُ لأُزيل الذُّلَّ عَنْكَ، فَإِن خَلعتَ نَفْسَكَ طَائِعاً، فلك كُلُّ مَا تُحِبُّ، ثُمَّ طلبَ ابْنَ المَكْوِيِّ (3) الفَقِيْه، وَابنَ ذَكْوَانَ (4) القَاضِي وَالوُزَرَاء، فَدَخَلُوا عَلَى
__________
(1) انظر " نفح الطيب " 1 / 424 - 426، و" الكامل " 8 / 679، و" تاريخ " ابن خلدون 4 / 148، 149.
(2) هم من البربر، وكانوا ملوك وأمراء إفريقية وما والاها من بلاد المغرب، وجدهم هو الأمير زيري بن مناد، الحميري الصنهاجي، ومن أولاده أبو الفتوح بلكين بن زيري جد باديس بن المنصور بن بلكين، وباديس سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (126) .
وانظر تراجم بني زيري في " وفيات الأعيان " 1 / 265، 266 و286، 287، و304 - 306، و2 / 343، 344، و5 / 233 - 235.
وانظر " معجم الأنساب والاسرات الحاكمة ": 109، و" تاريخ " ابن خلدون 6 / 155، وما بعدها.
(3) هو أبو عمر أحمد بن عبد الملك بن هاشم، المعروف بابن المكوي، سترد ترجمته برقم (120) .
(4) هو أبو العباس أحمد بن محمد ذكوان القاضي، متوفى سنة 413، مترجم في " المغرب في حلي المغرب " 1 / 215، 216، و" بغية الملتمس ": 174.

الصفحة 127