كتاب سير أعلام النبلاء ط الرسالة (اسم الجزء: 17)

فَهَذِهِ حِكَايَةٌ قويَةٌ، فَمَا بَالُه أَخرجَ حَدِيْث الطَّير فِي (الْمُسْتَدْرك) ؟ فَكَأَنَّهُ اخْتلف اجْتِهَادُه، وَقَدْ جمعتُ طُرُق حَدِيْثِ الطَّير فِي جُزء، وَطرق حَدِيْث: (مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ) وَهُوَ أَصحُّ، وَأَصحُّ مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (1) عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:
إِنَّهُ لعهدُ النَّبِيّ الأُمِّي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيَّ: (إِنَّهُ لاَ يُحِبُّكَ إِلاَّ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يُبْغِضُكَ إِلاَّ مُنَافِقٌ) .
وَهَذَا أَشكلُ الثَّلاَثَةِ فَقَدْ أَحَبَّه قَوْمٌ لاَ خَلاَقَ لَهُم، وَأَبغضه بجهلٍ قَوْمٌ مِنَ النَّوَاصب، فَالله أَعلم (2) .
أُنْبِئتُ عَنْ أَبِي سَعْدٍ الصَّفَّار، عَنْ عَبْدِ الغَافِرِ بن إِسْمَاعِيْلَ قَالَ: الحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللهِ هُوَ إِمَامُ أَهْلِ الحَدِيْثِ فِي عَصْرِهِ، العَارِفُ بِهِ حقَّ مَعْرفَته، يُقَال لَهُ: الضَّبِّيّ، لأَنْ جدَّ جَدَّتِه هُوَ عِيْسَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الضَّبِّيّ، وَأُمُّ عِيْسَى هِيَ مَنْوِيه بِنْتُ إِبْرَاهِيْم بن طَهْمَان الفَقِيْه، وَبَيْتُه بَيْتُ الصَّلاَحِ وَالورعِ وَالتَأَذينِ فِي الإِسْلاَمِ، وَقَدْ ذكر أَبَاهُ فِي (تَارِيْخِهِ) ، فَأَغنَى عَنْ إِعَادته، وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
قَالَ: وَلقِي عَبْدَ اللهِ بنَ مُحَمَّدِ بنِ الشَّرْقِيّ، وَأَبَا عَلِيٍّ الثَّقَفِيّ، وَأَبَا حَامِدٍ بنَ بِلاَلٍ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُم وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي طَاهِرٍ المُحَمَّدَابَاذِي، وَأَبِي بَكْرٍ القَطَّان، وَلَمْ يظفر بِمَسْمُوْعِهِ مِنْهُمَا، وَتَصَانِيْفُه المَشْهُوْرَةُ تطفَحُ بذكرِ شُيُوْخِه، وَقرأَ بِخُرَاسَانَ عَلَى قُرَّاء وَقتِه، وَتفقّه
__________
(1) رقم (78) في الايمان: باب الدليل على أن حب الانصار وعليا من الايمان وعلاماته.
(2) وجد على هامش الأصل - تعليق على استشكال الذهبي ونصه: قلت: لا إشكال، فالمراد: لا يحبك الحب الشرعي المعتد به عند الله تعالى، أما الحب المتضمن لتلك البلايا والمصائب، فلا عبرة به، بل هو وبال على صاحبه كما أحبت النصارى المسيح.

الصفحة 169