كتاب سير أعلام النبلاء ط الرسالة (اسم الجزء: 17)

وَقَالَ أَبُو مَرْوَانَ بنُ حَيَّانَ: وَمِمَّنْ قُتِلَ يَوْمَ أَخذِ يَوْم قُرْطُبَة الفَقِيْهُ الأَدِيْبُ الفَصِيْحُ ابْنُ الفَرَضِيّ، وَوُورِي مُتَغَيّرَا مِنْ غَيْر غُسل، وَلاَ كَفَن وَلاَ صَلاَة، وَلَمْ يُرَ مثلُه بقُرْطُبَة فِي سعَة الرِّوَايَةِ، وَحفظِ الحَدِيْثِ، وَمَعْرِفَةِ الرِّجَال، وَالاَفتنَانِ فِي الْعُلُوم وَالأَدب البَارع، وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَحَجَّ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ، وَجمعَ مِنَ الكُتُب أَكْثَرَ مَا يَجْمَعُهُ أَحَدٌ فِي عُلَمَاءِ البَلَد، وَتَقَلَّد قِرَاءةَ الكُتُب بِعَهْد العَامِرِيَّة، وَاسْتقضَاهُ مُحَمَّدٌ المَهْدِيُّ بَبَلنْسِيَة، وَكَانَ حَسَنَ البلاغَةِ وَالخَطِّ (1) .
قَالَ الحُمَيْدِيّ (2) :حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الحَافِظُ (3) ، أَخْبَرَنِي أَبُو الوَلِيْد بنُ الفَرَضِيّ قَالَ: تَعلَّقْتُ بِأَستَار الكَعْبَة، وَسَأَلتُ الله - تَعَالَى - الشَّهَادَةَ، ثُمَّ فكّرتُ فِي هَول القتلِ، فَنَدِمْتُ، وَهَمَمْتُ أَنْ أَرْجِعَ، فَأَستقيل الله ذَلِكَ، فَاسْتحييتُ.
قَالَ الحَافِظُ عليّ: فَأَخْبَرَنِي مِنْ رَآهُ بَيْنَ القَتْلَى، وَدنَا مِنْهُ، فسَمِعَهُ يَقُوْلُ بِصَوْت ضَعِيْف: (لاَ يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيْلِ اللهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيله إِلاَّ جَاءَ يَوْم القِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دماً، اللُوْنُ لُوْنُ الدَّمِ، وَالرِّيْحُ رِيْحُ المِسْكِ (4)) كَأَنَّهُ يُعيدُ عَلَى نَفْسِهِ الحَدِيْثَ، ثُمَّ قَضَى عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ - رَحِمَهُ اللهُ -. وَلَهُ شعرٌ رَائِقٌ فَمِنْهُ:
__________
(1) " الصلة " 1 / 253، و" تذكرة الحفاظ " 3 / 1077.
(2) في " جذوة المقتبس " 255. وانظر " الذخيرة " ق 1 / ج 2 / 614، 615، و" بغية الملتمس " 335، و" تذكرة الحفاظ " 3 / 1077، 1078، و" نفح الطيب " 2 / 130، و" وفيات الأعيان " 3 / 106، و" المغرب " 1 / 103، 104.
(3) هو الامام الكبير أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، صاحب " المحلى " في الفقه، متوفى سنة 456 هـ ستأتي ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (98) .
(4) أخرجه من حديث أبي هريرة مالك 2 / 461 في الجهاد: باب الشهداء في سبيل الله، وأحمد 2 / 231، والبخاري (2803) ومسلم (1876) .

الصفحة 179