كتاب سير أعلام النبلاء ط الرسالة (اسم الجزء: 17)

مِنْهَا المُنْتَصِر، وَجَالَ فِي أَطرَافِ خُرَاسَان، وَجَبَى الخَرَاج، وَصَادَرَ، وَوزنَ لَهُ شَمْسُ المعَالِي ثَمَانِيْنَ أَلفَ دِيْنَار، وَخَيْلاً وَبِغَالاً مصَانعَةً عَنْ جُرْجَان.
ثُمَّ إِنَّهُ عَاود نَيْسَابُوْر، فَهَرَبَ مِنْهَا أَخُو السُّلْطَان، فَدَخَلهَا المُنْتَصِر، وَعثَّرَ أَهلَهَا، ثُمَّ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّلْطَان مَحْمُوْد ملحمَةٌ مَشْهُودَة، وَانْهَزَمَ المُنْتَصِرُ إِلَى جُرْجَان، ثُمَّ التقَى هُوَ وَالعَسَاكِر السُّبُكْتِكينيَّة عَلَى سَرخس، وَقُتِلَ خَلْقٌ مِنَ الفَرِيْقَيْنِ، وَتَمَزَّقَ جمعُ المُنْتَصِر، وَقُتِلَ أَبطَالُهُ، فَسَارَ يَعْتسِفُ المهَالكَ حَتَّى وَقَعَ إِلَى محَالِّ التُّرك الغُزِّيَّة، وَكَانَ لَهُم ميلٌ إِلَى آل سَامَان، فحرَّكتهُم الحمِيَّةُ لَهُ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ، وَالتَقَوا أَيلك خَان، وَحَاربُوهُ، ثُمَّ إِنَّ المُنْتَصِر تخيَّل مِنْهُم، وَهَرَبَ، ثُمَّ رَاسل السُّلْطَانَ مَحْمُوداً يذكر سَلفه، فعطفَ عَلَيْهِ ثُمَّ تمَاثل حَالُه، وَتمَّت لَهُ أُمُورٌ طَوِيْلَة.
وَكَانَ بَطَلاً شُجَاعاً مِقْدَاماً، وَافر الهَيْبَة، ثُمَّ التقَى بِأَيلك فِي شَعْبَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ، فَانهزم أَيلك، ثُمَّ حشد وَجمع وَأَقبلَ، فَالتَقَوا أَيْضاً، فَانْهَزَم المُنْتَصِر بِمُخَامرَة عسكرِهِ (1) ، وَفَرَّ إِلَى بِسطَام، وضَاقت عَلَيْهِ المسَالكُ ثُمَّ بَيَّتُوهُ، وَقُتِلَ، وَأُسرت إِخوتُه فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ (2) حَتَّى مَاتَ بَيْنَ الطعْن وَالضَّربِ مِيتَةً تقومُ مقَامَ النَّصْر إِذْ فَاتَه النَّصْرُ، كَمَا قِيْلَ:
وَأَثْبَتَ فِي مُسْتَنْقَعِ المَوْتِ رِجْلَهُ ... وَقَالَ لَهَا: مِنْ دُوْنِ أَخْمَصِكِ الحَشْرُ (3)
__________
(1) قال ابن الأثير في " الكامل " 9 / 158، 159: ففارقه كثير منهم إلى بعض أصحاب أيلك خان، فأعلموهم بمكانه، فلم يشعر المنتصر إلا وقد أحاطت به الخيل من كل جانب، فطاردهم ساعة، ثم ولاهم الدبر.
(2) " الكامل " 9 / 159.
(3) البيت لأبي تمام من قصيدة يرثي بها محمد بن حميد الطوسي أحد قواد المأمون الذي وجهه لقتال بابك الخرمي، وأولها: كذا فليجل الخطب وليفدح الامر * فليس لعين لم يفض ماؤها عذر =

الصفحة 93