كتاب سير أعلام النبلاء ط الرسالة (اسم الجزء: 18)

وَرمَاهَا بِالمجَانِيق، فَخَرَجَ إِلَيْهِ أَبُو العَلاَءِ يَتشفَّع، فَأَكْرَمَه، وَقَالَ: أَلكَ حَاجَة؟
قَالَ: الأَمِيْرُ - أَطَالَ الله بقَاءهُ - كَالسَّيْف القَاطع، لاَن مسُّهُ، وَخَشُنَ حدُّهُ، وَكَالنَّهَار المَاتِع (1) ، قَاظ (2) وَسطُه، وَطَابَ أَبْردَاهُ (3) {خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِين} [الأَعرَاف:199] .
فَقَالَ: قَدْ وَهبتُكَ المَعَرَّةَ، فَأَنْشِدنَا مِنْ شعرِكَ.
فَأَنْشَدَهُ عَلَى البديهِ أَبيَاتاً، وَترحَّل صَالِحٌ (4) .
كَانَ لأَبِي العَلاَءِ خلوَةٌ يَدخُلهَا لِلأَكلِ، وَيَقُوْلُ: الأَعْمَى عورَة، وَالوَاجِبُ اسْتَتَارُهُ.
فَأَكَلَ مرَّةً دُبسَا، فَنقط عَلَى صَدْرِهِ مِنْهُ، فَلَمَّا خَرَجَ لِلإِفَادَة؛ قِيْلَ لَهُ: أَكَلتُم دُبساً؟ فَأَسرع بِيَدِهِ إِلَى صَدْره، فَمسحه وَقَالَ: نَعَمْ، لَعَنَ اللهُ النَّهَم.
فَعجبُوا مِنْ ذكَائِهِ، وَكَانَ يَعتذر إِلَى مَنْ يَرحل إِلَيْهِ، وَيَتَأَوَّهُ لعدم صلته (5) .
قَالَ البَاخَرزِي (6) :أَبُو العَلاَءِ ضرِيرٌ مَا لَهُ ضرِيب (7) ، وَمكفوفٌ فِي قَمِيْص الفَضْل مَلْفُوف، وَمحجوبٌ خَصمه الأَلد مَحْجُوج، قَدْ طَالَ فِي ظلّ (8) الإِسْلاَم آنَاؤُهُ، وَرشَح (9) بِالإِلْحَاد إِنَاؤُه، وَعِنْدنَا خَبَرُ بصرِهِ، وَاللهُ العَالِمُ بِبصِيْرتِهِ وَالمطَّلعُ عَلَى سرِيرته، وَإِنَّمَا تحدَّثتِ الأَلْسُنُ (10) بِإِسَاءته
__________
(1) الماتع: المرتفع، قال في " القاموس ": متع النهار: ارتفع قبل الزوال. وفي الأصل " المانع " وهو خطأ.
(2) قاظ من القيظ، وهو شدة الحر.
(3) أبرداه: أي طرفاه، وهما الغداة والعشي. وفي الأصل " إبراده ".
(4) الخبر في " إنباه الرواة " 1 / 53 - 54، وانظر " معجم الأدباء " 3 / 216 - 217.
(5) " إنباه الرواة " 1 / 55.
(6) " دمية القصر " 1 / 175.
(7) في " الدمية ": ما له في أنواع الأدب ضريب.
(8) في الدمية: ظلال.
(9) في " دمية القصر ": ولكن ربما رشح.
(10) ما بين معقوفتين زيادة من " الدمية ".

الصفحة 27