كتاب سير أعلام النبلاء ط الرسالة (اسم الجزء: 19)
وَاللَّهْو، مُغرَىً بِالعَمَائِر، وَحفرِ الأَنْهَار، وَتَشييدِ القَنَاطِر، وَالأَسْوَارِ، وَعَمَّرَ بِبَغْدَادَ جَامِعاً كَبِيْراً، وَأَبطل المُكوسَ وَالخفَارَاتِ فِي جَمِيْع بلاَده.
هَكَذَا نَقَلَ ابْنُ خَلِّكَان (1) .
قَالَ: وَصنع بِطرِيق مَكَّة مصَانِع، يُقَالَ: إِنَّهُ ضَبط مَا اصطَاده بِيَدِهِ، فَبَلَغَ عَشْرَة آلاَفِ وَحشٍ، فَتَصَدَّقَ بِعَشْرَةِ آلاَفِ دِيْنَارٍ، وَقَالَ: إِنِّيْ خَائِفٌ مِنْ إِزهَاق الأَرْوَاح لِغِير مَأْكَلَةٍ.
شَيَّعَ مرَّة ركبَ العِرَاق إِلَى العُذَيْب (2) ، فَصَادَ شَيْئاً كَثِيْراً، فَبنَى هُنَاكَ مَنَارَةَ القرُوْنَ (3) مِنْ حَوَافر الْوَحْش وَقرونهَا، وَوَقَفَ يَتَأَمَّل الحُجَّاج، فَرقَّ وَنَزَلَ وَسجد، وَعفَّر وَجْهَهُ وَبَكَى، وَقَالَ بِالعجمِيَة: بلِّغُوا سَلاَمِي إِلَى رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقُولُوا: العَبْدُ العَاصي الْآبِق أَبُو الفَتْحِ يَخدم وَيَقُوْلُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، لَوْ كُنْتُ مِمَّنْ يَصلُح لِتلك الحضرَة المُقَدَّسَة، كُنْتُ فِي الصُّحْبَة، فَضجَّ النَّاسُ وَبكُوْا، وَدَعَوا لَهُ.
وَأَمِنَتِ الطُّرُقُ فِي دَوْلَته، وَانحلَّتِ الأَسعَارُ، وَتَزَوَّجَ الخَلِيْفَةُ المُقْتَدِي بِابْنته بِسِفَارَة شَيْخ الشَّافعيَة أَبِي إِسْحَاقَ (4) ، وَكَانَ عُرْسُهَا فِي سَنَةِ ثَمَانِيْنَ، وَعمِلَتْ دَعْوَة لجَيْشِ السُّلْطَان مَا سُمِعَ بِمِثْلِهَا أَبَداً، فَممَا دَخَلَ فِيْهَا أَرْبَعُوْنَ
__________
(1) في " وفيات الأعيان ": 5 / 284.
(2) هو ماء بين القادسية والمغيثة، بينه وبين القادسية أربعة أميال. " معجم البلدان ": 4 / 92.
(3) قال ابن خلكان: والمنارة باقية إلى الآن، وتعرف بمنارة القرون، وذلك في سنة 480 هـ.
(4) هو أبو إسحاق الشيرازي صاحب " المهذب " و" التنبيه "، وقد تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر رقم (237) .
الصفحة 56