كتاب سير أعلام النبلاء ط الرسالة (اسم الجزء: 22)
تَمَلَّكَ بُصْرَى وَبَعْلَبَكَّ، وَتَنَقَّلَتْ بِهِ الأَحْوَالُ، وَاسْتَوْلَى عَلَى دِمَشْقَ أَعْوَاماً، فَحَارَبَهُ صَاحِبُ مِصْرَ ابْنُ أَخِيْهِ، وَجَرَتْ لَهُ أُمُوْرٌ طَوِيْلَةٌ، مَا بَيْنَ ارْتفَاعٍ وَانخفَاضٍ.
وَكَانَ قَلِيْلَ البَخْتِ، بَطَلاً، شُجَاعاً، مَهِيْباً، شَدِيدَ البَطشِ، مَلِيْحَ الشَّكلِ، كَانَ فِي خدمَة أَخِيْهِ الأَشْرَف، فَلَمَّا مَاتَ الأَشْرَف، تَوثَّبَ عَلَى دِمَشْقَ، وَتَملَّكَ، فَجَاءَ أَخُوْهُ السُّلْطَان الملكُ الكَامِلُ، وَحَاصَرَهُ، وَأَخَذَ مِنْهُ دِمَشْقَ، وَرَدَّهُ إِلَى بَعْلَبَكَّ.
فَلَمَّا مَاتَ الكَامِلُ، وَتَمَلَّكَ الجَوَادُ ثُمَّ الصَّالِحُ نَجْمُ الدِّيْنِ، وَسَارَ نَجْمُ الدِّيْنِ يَقصِدُ مِصْرَ، هجمَ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيْلُ بِإِعَانَةِ صَاحِبِ حِمْصَ المُجَاهِد، فَتَمَلَّكَ دِمَشْقَ ثَانِياً فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ (1) ، فَبقِيَ بِهَا إِلَى سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ، وَحَارَبَهُ الصَّالِحُ بِالخُوَارِزْمِيَّةِ، وَاسْتعَانَ هُوَ بِالفِرَنْجِ (2) ، وَبَذَلَ لَهُم الشَّقِيْفَ وَغَيْرَهَا، فَمُقِتَ لِذَلِكَ،
وَكَانَ فِيْهِ جور.
وَاسْتقضَى عَلَى النَّاسِ الرَّفِيْعَ الجِيْلِيَّ، وَتَضَرَّرَ الرَّعِيَّةُ بِدِمَشْقَ فِي حِصَارِ الخُوَارِزْمِيَّةِ حَتَّى أُبيع الخُبز رِطل بِسِتَّةِ دَرَاهِم، وَالجبن وَاللَّحْم بِنسبَة ذَلِكَ، وَأَكلُوا المَيْتَةَ، وَوَقَعَ فِيهِم وَبَاء شَدِيد.
قَالَ المُؤَيَّدُ فِي (تَارِيْخِهِ) : سَارَ الصَّالِحُ نَجْمُ الدِّيْنِ مِنْ دِمَشْقَ ليَأْخُذَ مِصْرَ، فَفَرّ إِلَيْهِ عَسْكَر مِنَ المِصْرِيّينَ، وَكَانَ اسْتنَاب بِدِمَشْقَ وَلدَهُ المُغِيْث عُمَر، وَكَاتَبَ عَمَّهُ إِسْمَاعِيْل يَسْتَدعيه مِنْ بَعْلَبَكَّ، فَاعْتذَرَ، وَأَظهَرَ أَنَّهُ مَعَهُ، وَهُوَ عَمَّال فِي السرِّ عَلَى دِمَشْقَ، وَفَهِم ذَلِكَ نَجْمُ الدِّيْنِ أَيُّوْب، فَبَعَثَ طَبِيْبَهُ سَعْد الدِّيْنِ إِلَى بَعْلَبَكَّ متفرِّجاً، وَبَعَثَ مَعَهُ قَفَص حمَام نَابُلُسِيّ، ليُبطِق (3)
__________
(1) انظر التفاصيل في ذيل الروضتين: 169، وحوادث سنة 637 من تاريخ الإسلام (أيا صوفيا 3012) .
(2) انظر ذيل الروضتين: 174.
(3) من " البطاقة " وهي الرسالة التي ترسل بواسطة الحمام.
الصفحة 135