كتاب سير أعلام النبلاء ط الرسالة (اسم الجزء: 23)

هُوْلاَكُو البِلاَدَ، فَبَايَعُوا قُطُزَ بِالسَّلطَنَةِ، وَعَزَلُوا المَنْصُوْرَ فِي أَوَاخِرِ سَنَةِ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ، فَلَمَّا قُتِلَ قُطُزُ وَتَمَلَّكَ الظَّاهِرُ، نَفَى أَوْلاَدَ المُعِزِّ إِلَى عِنْدِ الأَشْكرِيِّ فِي البَحْرِ، وَانقَضَتْ أَيَّامُهُم.
وَاتَّفَقَ أَن فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ رَأَوا شَابّاً عِنْد قَبْرِ المُعِزِّ يَبْكِي، فَأُحضِرَ إِلَى السُّلْطَانِ، فَذَكَرَ أَنَّهُ قَليجَ قَانَ وَلَدَ المُعِزِّ، وَأَنَّهُ قَدِمَ مِنَ القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ مِنْ سِتِّ سِنِيْنَ، وَأَنَّهُ يَتَوَكَّلُ لأَجنَاد، فَسَجَنَهُ السُّلْطَانُ، فَبَقِي سَبْعَ سِنِيْنَ، حَتَّى أَخْرَجَهُ المَلِكُ المَنْصُوْرُ، فَاتَّفَقَ رُؤْيَتِي لَهُ بَعْدَ دَهْرٍ طَوِيْلٍ عِنْدَ قَاضِي القُضَاةِ تَقِيِّ الدِّيْنِ (1) فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسَبْعِ مائَةٍ، فَرَأَيْتُهُ شَيْخاً جُندِيّاً جَلْداً فَصِيحَ العِبَارَةِ حَافِظاً لِلْقُرْآنِ، فَذَكَرَ أَنَّ لَهُ ابْناً شَيْخاً قَدْ نَيَّفَ عَلَى السِّتِّيْنَ،
وَقَالَ:
قَدْ وُلِدْتُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَتَنَصَّرَ أَخِي المَنْصُوْرُ بِبِلاَدِ الأَشْكرِيِّ، وَتَأَخَّرَ إِلَى قَرِيْبِ سَنَةِ سَبْعٍ مائَة، وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ نَصَارَى، نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ المَكْرِ!
قَالَ: وَجَاءنِي مِنْهُ كِتَابٌ فِيْهِ: أَخُوْهُ مِيْخَائِيْلُ بنُ أَيْبَكَ، فَلَمْ أَقرَأْهُ.
قَالَ: وَلَبِستُ بِالفَقِيْرِيِّ مُدَّةً، وَحَضَرتُ عِنْدَ المَلِكِ الأَشْرَفِ، فَسَأَلَنِي عَنْ لاَجِيْنَ -يَعْنِي: الَّذِي تَسَلطَنَ- فَقُلْتُ: هُوَ عَلَى مُلْكِي.
فَطَلَبَهُ، فَأَقَرَّ لِي بِالرِّقِّ، فَبِعتُهُ لِلأَشْرَفِ بِخَمْسَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّهُ سَارِقٌ آبِقٌ بِقَتْلِ أُسْتَاذِهِ.
قَالَ: وَوَرِثتُ بِالوَلاَءِ جَمَاعَةَ أُمَرَاءٍ مِنْ غِلمَانِ أَبِي، وَاسْمِي قَلِيْج قَانَ، لَقَبُهُ سَيْفُ الدِّيْنِ.
__________
(1) أحسبه يقصد: تقي الدين السبكي، لأنه تولى قضاء القضاة في تلك السنة، انظر مقدمة تهذيب الكمال: 1 / 27.

الصفحة 382