كتاب سير أعلام النبلاء ط الرسالة (اسم الجزء: السيرة النبوية 1)

سلول. فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمت شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي. إنما يدخل عليَّ فيسلم ثم يقول: "كيف تيكم"؟. ثم ينصرف. فذلك الذي يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت يوما بعدما نقهت. فخرجت مع أم مسطح قبل المناصع؛ وهو متبرزنا؛ وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التبرز قبل الغائط، وكنا نتأذى بالكنف نتخذها عند بيوتنا. فانطلقت أنا وأم مسطح وهي ابنة أبي رهم بن عبد مناف وأمها ابنة صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق وابنها مسطح بن أثاثة بن المطلب، فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي، قد فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت: تعس مسطح فقلت لها: بئس ما قلت، أتسبين رجلا شهد بدرا؟ قالت: أي هنتاه، أو لم تسمعي ما قال؟ قلت: وماذا؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك. فازددت مرضا على مرضي فلما رجعت إلى بيتي ودخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال: "كيف تيكم"؟. فقلت: أتأذن لي أن آتي أبوي؟ وأنا أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي، فجئت أبوي فقلت لأمي: يا أمتاه ما يتحدث الناس؟ قالت: يا بنية هوني عليكِ، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها لها ضرائر، إلا كثرن عليها. فقلت: سبحان الله، ولقد تحدث الناس بهذا؟ فبكيت الليلة حتى لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم, ثم أصبحت أبكي.
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستأمرهما في فراق أهله. فأما أسامة فأشار على رسول

الصفحة 480