كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

أمَّا السمعي فلا يمكنك المكابرة أنه معه.
وأمَّا العقلي فمن وجهين: عام وخاص. فالعام: الدليل الدال على كمال عِلم المتكلم وكمال بيانه وكمال نُصحه. والدليل العقلي على ذلك أقوى من الشُّبَه الخيالية التي يستدل بها النفاةُ بكثيرٍ. فإن جاز مخالفة هذا الدليل القاطع فمخالفةُ تلك الشُّبَه الخيالية أولى بالجواز. وإن لم تَجُزْ مخالفةُ تلك الشُّبَه فامتناع مخالفة الدليل القاطع أولى.
وأمَّا الخاص فإنَّ كل صفةٍ وصف الله بها نفسَه ووصفه بها رسولُه فهي صفة كمال قطعًا؛ فلا يجوز تعطيل صفات كماله وتأويلها بما يُبطِل حقائقها.
فالدليل العقلي الذي دلَّ على ثبوت الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر دلَّ نظيرُه على ثبوت الحكمة والرحمة والرضى والغضب والفرح والضحك. والذي دلَّ على أنه فاعِلٌ بمشيئته واختياره دلَّ على قيام أفعاله به، وذلك عين الكمال المقدس. وكلُّ صفة دلَّ عليها القرآن والسُّنَّة فهي صفة كمالٍ، والعقل جازمٌ بإثبات صفات الكمال للربِّ سبحانه، ويمتنع أن يصف نفسه أو يصفه رسولُه بصفةٍ توهم نقصًا. وهذا الدليل أيضًا أقوى من كل شبهةٍ للنفاة. يوضحه أنَّ أدلةَ مُبايَنةِ الربِّ لخَلْقِه وعلوِّه على جميع مخلوقاته أدلةٌ عقلية (¬١) فطرية تُوجِب العلم الضروري بمدلولها.
وأمَّا السمعية فتقارب ألف دليلٍ، فعلى المتأوِّل أن يُجيب عن ذلك كله، وهيهات له بجوابٍ صحيحٍ عن بعض ذلك! فنحن نطالبه بجوابٍ صحيحٍ عن دليلٍ واحدٍ، وهو أنَّ الرَّبَّ تعالى إمَّا أن يكون له وجودٌ خارجي عن
---------------
(¬١) من قوله «الرب» إلى هنا سقط من «ح»، وأثبته من «م».

الصفحة 110