كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

وقال عن هجائه لهم: «والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ فِيهِمْ مِنَ النَّبْلِ» (¬١).
وكيف لا يكون بيانُ ذلك من الجهاد في سبيل الله، وأكثرُ هذه التأويلات المخالِفة للسلف الصالح ـ من الصحابة والتابعين وأهل الحديث قاطبةً وأئمة الإسلام الذين لهم في الأمة لسان صدق ـ يتضمن مِن عبثِ المتكلم بالنصوص وسوء الظن بها (¬٢) من جنس ما تضمنه طعنُ الذين يلمزون الرسول ودينه وأهلِ النفاق والإلحاد؛ لِمَا فيه من دعوى أن ظاهر كلامه إفكٌ ومحال، وكفرٌ وضلال، وتشبيهٌ وتمثيل أو تخييل. ثم صرفها إلى معانٍ يُعلَم أن إرادتها بتلك الألفاظ من نوع [ق ١٣ أ] الأحاجي والألغاز، لا يصدر ممَّن قصده نصحٌ وبيان. فالمدافعةُ عن كلام الله ورسوله والذبُّ عنه من أفضل الأعمال وأحبِّها إلى الله وأنفعها للعبد.
ومَن رزقه الله بصيرةً نافذةً عَلِمَ سخافةَ عقول هؤلاء المحرِّفين، وأنهم من أهل الضلال المبين، وأنهم إخوان الذين ذمَّهم اللهُ بأنهم يحرِّفون الكلم عن مواضعه، الذين لا يفقهون ولا يتدبرون القول، وشبَّههم بالحُمُر المستنفِرة (¬٣)
---------------
(¬١) أخرجه النسائي (٢٨٩٣) وابن خزيمة (٢٦٨٠) عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك لعبد الله بن رواحة، وأصل الحديث رواه مسلم (٢٤٩٠) عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -، أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «اهجُوا قريشًا، فإنه أشدُّ عليها مِن رَشْقٍ بالنَّبْلِ». فأرسل إلى ابن رواحة فقال: «اهجُهُمْ». فهجاهم، فلم يَرْضَ، فأرسل إلى كعب بن مالك، ثم أرسل إلى حسان بن ثابت ... الحديث.
(¬٢) «ح»: «به». والمثبت هو الصواب.
(¬٣) يعني: قوله تعالى: {فَمَا لَهُمْ عَنِ اِلتَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ (٥٠) فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ} [المدثر: ٤٩ - ٥١].

الصفحة 117