كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

فيها ونستنبط منها، فلهم علينا مَزيَّةُ الجهاد والزهد والورَع، ولنا عليهم (¬١) مزيةُ العلم بالحقائق والتأويل. وإن لم يعلموا هذا من قلوبهم ـ والله يشهد به عليهم ويعلمه كامنًا في صدورهم ـ يبدو على فَلتاتِ لسانِ مَن لم يصرِّح به منهم.
ومِن محققي هؤلاء مَن يدعي أن الرُّسل يستفيدون العلمَ بالله من طريقهم، ويتلقَّوْنه من مِشْكَاتهم، ولكن يخاطبون الناس على قدر عقولهم، فلم يصرحوا لهم بالحق ولم ينصحوا لهم به.
وكلٌّ من هؤلاء قد نصب دون الله ورسوله طاغوتًا يُعوِّل عليه، ويدعو عند التحاكُم إليه. فكلامه عنده محكمٌ لا يسوغ تأويله ولا يخالَفُ ظاهره، وكلام الله ورسوله إذا لم يوافقه فهو مجملٌ متشابهٌ يجب تأويله أو يسوغ. فضابط التأويل عندهم ما خالف تلك الطواغيت.
ومَن تدبَّر هذا الموضع انتفع به غاية النفع، وتخلَّص به مِن أشراك الضلال. فإن الذين يقرُّون برسالة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيهم نوع إيمانٍ به، منهم مَن يجعل له شريكًا في الطاعة، كما كان المنافقون يطيعون عبد الله بن أُبَيٍّ رأس المنافقين وكبيرهم (¬٢)، وكان كثيرٌ ممَّن في قلبه نوع مرضٍ ـ وإن لم يكن منافقًا خالصًا ـ يطيعه في كثير من الأمور ويَقبَل منه، كما قال تعالى: {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} [التوبة: ٤٧] والمعنى على أصحِّ القولين: وفيكم مستجيبون لهم قابلون منهم (¬٣). كما قال الله تعالى: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ} [المائدة: ٤٣] أي:
---------------
(¬١) «ح»: «لهم».
(¬٢) «ح»: «وكيدهم».
(¬٣) وهو قول قتادة وابن إسحاق، رواه عنهما الطبري في «تفسيره» (١١/ ٤٨٦) والثعلبي في «الكشف والبيان» (١٣/ ٣٩٧). والقول الآخر هو قول مجاهد وابن زيد، رواه عنهما الطبري في «تفسيره» (١١/ ٤٨٦) والثعلبي في «الكشف والبيان» (١٣/ ٣٩٦).

الصفحة 119