كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

بزعمهم أعظمُ تنزيهًا لله وأقل إيهامًا للمحال منها.
فهؤلاء وأمثالهم هم السَّلف لكل خلفٍ يدَّعِي أن لغير الله ورسوله معه حُكمًا في مضمون الرسالة، إمَّا في العلميات وإمَّا في العمليات، وإمَّا في الإرادات والأحوال، وإمَّا في السياسات وأحكام الأموال. فيُطاع هذا الغير كما يُطاع الرسول، بل الله يعلم أن كثيرًا منهم أو أكثرَهم قد قدَّموا طاعته على طاعة الرسول.
فكل هؤلاء فيهم شبهٌ من أتباع مُسيلِمة وابن أُبَيٍّ وذي الخُويصِرة، فلكل خلفٍ سلفٌ، ولكل تابعٍ متبوعٌ، ولكل مرؤوسٍ رئيسٌ، فمَن قرنَ بالرسالة رئاسةً مطاعةً أو سياسةً حاكمةً، بحيث يجعل طاعتها كطاعة الرسالة، ففيهم شبهٌ من أتباع عبد الله بن أُبَي، ومَنِ اعترض على الكتاب والسُّنَّة بنوع تأويلٍ من قياسٍ أو ذَوقٍ أو عقلٍ أو حالٍ ففيه شبهٌ من الخوارج أتباع ذي الخويصِرة، ومَن نصبَ طاغوتًا دون الله ورسوله [ق ١٣ ب] يدعو ويحاكِم إليه ففيه شبهٌ من أتباع مسيلِمة. وقد يكون في هؤلاء مَن هو شرٌّ من أولئك، كما كان فيهم من هو خيرٌ منهم أو مثلهم. وهؤلاء كلُّهم قد أعقبهم هذا الصنيعُ نفاقًا في قلوبهم إلى يوم يلقَوْن ربهم، وإنما تبيَّنُ لهم حقيقته إذا بُليت السرائر ومُدَّت الضمائر، وبُعثِرَ ما في القبور، وحُصِّل ما في الصدور، ولا يستقر للعبد قدمٌ في الإسلام حتى يعقد قلبه وسرَّه على أن الدِّين كله لله، [وأن الهدى هدى الله، وأن الحق دائرٌ مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - وجودًا وعَدَمًا، وأنه لا مطاع] (¬١) سواه، ولا متبوع غيره، وأن كلام غيره يُعرَض على كلامه، فإن وافقه قَبِلْناه، لا لأنه قاله، بل لأنه أخبر به عن الله ورسوله؛ وإن خالَفَه ردَدْناه واطَّرَحْناه. ولا يُعرَض كلامه ـ
---------------
(¬١) سقط من «ح»، وأثبته من «م».

الصفحة 121