كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

والجهمية وتلامذة الملاحدة أفصحَ منه وأحسنَ بيانًا وتعبيرًا عن الحق. وهذا ممَّا يعلم بطلانَه بالضرورة أولياؤه وأعداؤه، موافقوه ومخالفوه، فإن مخالفيه لم يشكُّوا في أنه أفصح الخلق وأقدرهم على حُسن التعبير بما يُطابق المعنى ويُخلِّصه من اللبس والإشكال.
وإن كان قادرًا على ذلك، ولم يتكلم به، وتكلم دائمًا بخلافه وما يناقضه، كان ذلك قدحًا في نُصحه. وقد وصف الله رسله بكمال النُّصح والبيان، فقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: ٥]، وأخبر عن رسله بأنهم أنصحُ الناس لأُممهم. فمع النُّصح والبيان والمعرفة التامة كيف يكون مذهب النُّفاة المعطِّلة أصحاب التحريف هو الصوابَ، وقولُ أهل الإثبات أتباع القرآن والسُّنَّة باطلًا؟! هذا مضمون المناظرة.
فقال له الجهمي: انزل بنا إلى الوطاءة (¬١).
قلت له: ما أراد بذلك؟
قال: أراد أنك خاطبتني مِن فوقُ، وتجوَّهْتَ (¬٢) عليَّ بجاهٍ لا يمكنني مقاومته، فانزل بنا إلى مباحث الفضلاء وقواعد النُّظار، أو نحو هذا من الكلام.
فليتدبر الناصحُ لنفسه ـ الموقِن بأن الله (¬٣) لا بد سائله عمَّا أجاب به
---------------
(¬١) لعله من الوطأة التي هي موضع القدم، أراد: لا تتعاظمْ عليَّ وانزِلْ إليَّ. ينظر «تاج العروس» (١/ ٤٩٤ - ٤٩٥).
(¬٢) أراد: تعاظمت. ينظر «تاج العروس» (٣٦/ ٣٧١).
(¬٣) «ح»: «بالله».

الصفحة 134