كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

رسوله ـ هذا المقامَ، ولْيتحيَّز بعدُ إلى (¬١) أين شاء، فلم يكن الله ليجمعَ بين النُّفاة المعطلين المحرِّفين وبين أنصاره وأنصار رسوله وكتابه (¬٢) إلَّا جمعَ امتحانٍ وابتلاء، كما جمع بين الرُّسل وأعدائهم في هذه الدار.
قلت: وقريبٌ من هذه المناظرة ما جرى لي مع بعض علماء أهل الكتاب (¬٣)، فإنه جمعَني وإياه مجلسُ خلوةٍ، أفضى بنا (¬٤) الكلام إلى أن جرى ذِكر مسبَّة النصارى لربِّ العالمين مسبةً ما سبَّه إيَّاها أحدٌ من البشر، فقلت له: وأنتم بإنكاركم نبوةَ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - قد سببتم الربَّ تعالى أعظمَ مسبةً.
قال: وكيف ذلك؟
قلت: لأنكم تزعمون أن محمدًا مَلِكٌ ظالمٌ، ليس برسولٍ صادقٍ، وأنه خرج يستعرض الناس بسيفه، فيستبيح أموالهم ونساءهم وذراريَّهم، ولا يقتصر على ذلك حتى يَكذِبَ على الله ويقولَ: الله أمرني بهذا وأباحه لي. ولم يأمره اللهُ ولا أباح له ذلك. ويقولَ: أُوحِيَ إليَّ. ولم يُوحَ إليه شيءٌ. وينسخَ شرائعَ الأنبياء مِن عنده، ويُبطِلَ منها ما يشاء، ويُبقِيَ منها ما يشاء، ويَنسُبَ ذلك كله إلى الله، ويقتلَ أولياءه وأتباعَ رُسله، ويسترقَّ نساءهم وذُرياتهم. فإمَّا أن يكون الله سبحانه رائيًا لذلك كله عالمًا به مطلعًا عليه أو لا.
فإن قلتم: إن ذلك بغير علمه واطلاعه [ق ١٥ أ] نسبتموه إلى الجهل
---------------
(¬١) «ح»: «أجدال».
(¬٢) «ح»: «وكأنه».
(¬٣) ذكر المصنف - رحمه الله - هذه المناظرة أيضًا في «التبيان في أيمان القرآن» (ص ٢٧٠ - ٢٧٤) وفي «هداية الحيارى» (ص ٣٨٤ - ٣٨٥) وبيَّن أنه كانت مع أكبر علماء اليهود.
(¬٤) «ب»، «ح»: «بيننا». والمثبت من «م».

الصفحة 135