كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

يفهم منه خلاف موضوعه (¬١) وحقيقته بكثيرٍ. فتيسيرُ (¬٢) القرآن منافٍ لطريقة النُّفاة المحرِّفين أعظمَ منافاةً. ولهذا لمَّا عسر عليهم أن يفهموا منه النفي، وعزَّ (¬٣) عليهم ذلك، عوَّلوا فيه على الشُّبَه الخيالية (¬٤) التي سمَّوْها قواطع عقلية وقواعد يقينية (¬٥). وإذا تأملها مَن نوَّر اللهُ قلبَه، وكحَّل عينَ بصيرته بمِرْوَد الإيمان، رآها «لحم جملٍ غثٍّ على رأس جبلٍ وعرٍ، لا سهل فيُرتقى، ولا سمين فيُنتقَل» (¬٦)، وهي من جنس خيالات الممرورين (¬٧) وأصحاب الهوس، وقد سودوا بها القلوب والأوراق.
فطريقتهم ضدُّ طريقة القرآن من كل وجهٍ، إذ طريقة القرآن حقٌّ بأحسن تفسيرٍ وأبينِ عبارةٍ، وطريقتهم معانٍ باطلة بأعقدِ عبارةٍ وأطولها وأبعدها من الفهم. فيجهد الرجل الظمآن (¬٨) نفسَه وراءهم حتى تنفد قُواه، فإذا هو قد اطلع على سرابٍ بِقِيعَةٍ: {يَحْسِبُهُ اُلظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اَللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاَللَّهُ سَرِيعُ اُلْحِسَابِ ( ٣٨) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ
---------------
(¬١) «ح»: «موضعه».
(¬٢) «ح»: «تفسير».
(¬٣) «ح»: «وعسر».
(¬٤) «ح»: «الخالية». وهو تحريف.
(¬٥) «ح»: «وقواطع تفنيد». وهو تحريف.
(¬٦) مقتبس من حديث أم زرع الذي رواه البخاري (٥١٨٩) ومسلم (٢٤٤٨) عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -.
(¬٧) أي: المجانين، قال الثعالبي في «فقه اللغة وسر العربية» (ص ١٠٨): «إذا كان الرجل يعتريه أدنى جنون وأهونه فهو موسوس، فإذا زاد ما به قيل: به رئي من الجن. فإذا زاد على ذلك فهو ممرور».
(¬٨) «ب»: «المضمار».

الصفحة 141