كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

فيقولون للمغرور المخدوع: وازِنْ بين هؤلاء وهؤلاء، وحكِّمْ عقلك، وانظرْ إلى نتيجة الحق والباطل. فيتهيأ لهم بهذا الخداع ما لا يتهيأ بالجيوش، وما لا يطمع في الوصول إليه بدون تلك (¬١) الجهة.
ثم من أعظم جنايات التأويل على الدِّين وأهله وأبلغها نكايةً فيه أن المتأول يجد بابًا مفتوحًا لما يقصده من تشتيت كلمة أهل الدِّين وتبديد نظامهم، وسبيلًا سهلة إلى ذلك. فإنه يحتجر (¬٢) من المسلمين بإقراره معهم بأصل التنزيل، ويدخل نفسه في زُمرة أهل التأويل، ثم بعد ذلك يقول ما شاء ويدعي ما أحب. ولا يُقدَر (¬٣) على منعه من ذلك لادعائه أن أصل التنزيل مشتركٌ بينك وبينه، وأن عامة الطوائف المُقِرَّة به (¬٤) قد تأولت كل طائفةٍ لنفسها تأويلًا ذهبت (¬٥) إليه، فهو يُبدِي نظيرَ تأويلاتهم ويقول: ليس لك أن تبدي في التأويل مذهبًا إلَّا ومثله سائغ لي، فما الذي أباحه لك وحظَرَه عليَّ، وأنا وأنت قد أقررنا بأصل التنزيل، واتفقنا على تسويغ (¬٦) التأويل؟ فلِمَ كان تأويلك مع مخالفته لظاهر التنزيل سائغًا، وتأويلي أنا مُحرَّمًا؟ فتعلُّقه بهذا أبلغُ مكيدةٍ يستعملها، وأنكى سلاحٍ يحارب به. فهذه الآفات وأضعافها إنما لقيها أهل الأديان من المتأولين (¬٧)، فالتأويل هو الذي فرَّق اليهود إحدى
---------------
(¬١) من قوله: «بهذا الخداع» إلى هنا سقط من «ح».
(¬٢) «ب»: «يحتجز».
(¬٣) كذا ضبط في «ب» وقد يكون تصحيف: «ولا تقدر» لقوله فيما بعد: «بينك وبينه».
(¬٤) «ح»: «المعروفة»، تحريف.
(¬٥) «ح»: «وادعت». ولعل صوابه «ودَعَتْ».
(¬٦) «ح»: «تنويع».
(¬٧) «ح»: «التأويل وإلا».

الصفحة 155