كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

استُهِلَّت (¬١) التوراة وكُتبُ الأنبياء بالبشارة بهما وظهورهما، ولا سيما البشارات بمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، فإنها متظاهرة في كُتبهم بصفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومَخرجه ومَبعثه ودعوته وكتابه وصفة أُمته وسيرتهم وأحوالهم، بحيث كان علماؤهم لمَّا رأَوْه وشاهدوه عرفوه معرفتهم أنبياءهم (¬٢). ومع هذا فجحدوا أمْرَه - صلى الله عليه وسلم - [ق ١٧ ب]، ودفعوه على قومه (¬٣) وظهوره بالتأويلات التي استخرجوها من تلك الألفاظ التي تضمنتها (¬٤) البشاراتُ، حتى التبس الأمرُ بذلك على أتباعهم ومَن لا يعلم الكتاب إلَّا أمانيَّ، وخُيِّل إليهم بتلك التأويلات ـ التي هي من جنس تأويلات الجهمية والرافضة والقرامطة ـ أنه ليس هو، فسطَوْا على تلك البشارات بكتمان ما وجدوا السبيل إلى كتمانه، وما غُلبوا عن كتمانه حرَّفوا لفظه عمَّا هو عليه، وما عجزوا عن تحريف لفظِه حرَّفوا معناه بالتأويل.
ووَرِثَهم أشباهُهم من المنتسبين إلى الملة في (¬٥) هذه الأمور الثلاثة، وكان عُصبة الوارثين لهم في ذلك ثلاثَ طوائفَ: الرافضة والجهمية والقرامطة؛ فإنهم اعتمدوا في النصوص المخالِفة لضلالهم هذه الأمور الثلاثة، والله سبحانه ذمَّهم على التحريف والكتمان. والتحريف نوعان: تحريف اللفظ، وهو تبديله. وتحريف المعنى، وهو صرف اللفظ عنه إلى
---------------
(¬١) «ب»: «اشتملت».
(¬٢) «ح»: «إياهم». والمثبت من «ب». وله وجه، والأوجه أن تكون: «أبناءهم»، كما في قوله تعالى: {اَلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ اُلْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة: ١٤٥].
(¬٣) «قومه» كذا في النسختين، ولعله تحريف.
(¬٤) «ح»: «تضمنها».
(¬٥) «ب»: «و».

الصفحة 157