كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

غيره مع بقاء صورة اللفظ.
وأمَّا فسادُ دين النصارى من جهة التأويل، فأولُ ذلك ما عَرَض في التوحيد الذي هو عمود الدِّين، فإن سلف المُثلِّثة قالوا في الربوبية بالتثليث وحديث الأقانيم والأب والابن وروح القدس، ثم اختلف مَن بعدَهم في تأويل كلامهم اختلافًا تباينوا (¬١) به غايةَ التبايُن، وإنما عرض لهم هذا الاختلافُ من جهة التأويلات الباطلة. وكانت حالهم فيما جنَتْ عليهم التأويلات الباطلة أفسدَ حالًا من اليهود، فإنهم لم يصِلُوا بتأويلهم إلى ما وصل إليه عُبَّاد الصليب من نسبة الربِّ تعالى إلى ما لا يليق به، ثم دفعوا بالتأويل إلى إبطال شرائع التوراة، فأبطلوا الختان، واستحلوا السبت، واستباحوا الخنزير، وعطلوا الغُسْل من الجنابة.
وكان الذي فتح عليهم أبواب هذه التأويلات بُولِس، فاستخف جماعةً من ضعفاء العقول، فقَبِلُوا منه تلك التأويلات، ثم أورثت (¬٢) الخلاف بينهم حتى آل أمرهم إلى ما آلَ إليه مِنِ انسلاخهم عن شريعة المسيح في التوحيد والعمليات. ثم تأولت اليعقوبية ـ أتباع يعقوب البراذعي ـ تأويلًا، فتأولت النسطورية ـ أتباع نسطورس (¬٣). .....................................
---------------
(¬١) «ح»: «باينوا».
(¬٢) «ح»: «أورث». وله وجه بعود الضمير إلى بولس.
(¬٣) «ب»: «نسطور بن». وفي «ح»: «نسطورين». ولعل المثبت هو الصواب؛ فنسطورس بَطْرق القسطنطينية، هو رأس الطائفة النسطورية، ويقال له: نسطوريوس ونسطور، كان قبل الإسلام، ذكره ابن الأثير في «الكامل في التاريخ» (١/ ٣٠١) وقال: «ومن العجائب أن الشهرستاني ـ مصنِّف كتاب «نهاية الإقدام» في الأصول، ومصنِّف كتاب «الملل والنحل» في ذكر المذاهب والآراء القديمة والجديدة ـ ذكر فيه أن نسطور كان أيام المأمون، وهذا تفرد به، ولا أعلم له في ذلك موافِقًا». قلتُ: وتابَعَ الشهرستاني غيرُ واحد من المتأخرين.

الصفحة 158