كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

بينهما (¬١)! ونحن لا ننكر أنَّا أكثر تأويلًا منهم وأوسعُ، لكنَّا وجدنا بابًا مفتوحًا فدخلناه، وطريقًا مسلوكًا فسلكناه، فإن كان التأويل حقًّا فنحن أسعد الناس به، وإن كان باطلًا فنحن وأنتم مشتركون فيه، ومستقلٌّ ومستكثِرٌ!
فهذا من شؤم جناية التأويل على أصول الإيمان والإسلام.
وقد قيل: إنَّ طردَ إبليس ولعنه إنما كان بسبب التأويل، فإنه عارَضَ النص بالقياس وقدَّمه عليه، وتأول لنفسه أن هذا القياس العقلي مقدَّمٌ على نصِّ (¬٢) الأمر بالسجود، فإنه (¬٣) قال: {أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ} [الأعراف: ١١]. وهذا دليلٌ قد حُذفت إحدى مقدمتَيْهِ، وهي أن الفاضل لا يخضع للمفضول، وطوى ذِكر هذه المقدمة كأنها مقرَّرة لكونها معلومة (¬٤)، وقرَّر المقدمة الأولى بقوله {خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} [الأعراف: ١١] فكان نتيجة المقدمتين امتناعه من السجود. وظن أن هذه الشبهة العقلية تنفعه في تأويله، فجرى عليه ما جرى، وصار إمامًا لكلِّ مَن عارض نصوص الوحي بتأويله الباطل إلى يوم القيامة. ولا إله إلَّا الله، كم لهذا الإمام اللعين من أتباعٍ من العالمين!
وأنت إذا تأملتَ عامة شُبَه المتأولين ـ التي تأولوا لأجلها النصوص وعطلوها ـ رأيتها من جنس شبهته. والقائل: «إذا تعارض العقل والنقل قدَّمنا
---------------
(¬١) «ب»: «بينها».
(¬٢) «ح»: «نصوص».
(¬٣) «ح»: «لأنه».
(¬٤) هكذا في «ب» وفي «ح»: «المقدمة منها صورة لكونها معلومة» وفي «م»: «المقدمة كأنها صورة معلومة» والظاهر أن «صورة» تحريف «مقررة».

الصفحة 166