كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

المنهي عنه تلك الشجرة المعينة دون سائر النوع لم يكن عاصيًا بأكله من غيرها، ولا أخرجه الله من الجنة ونزع عنه لباسه.
وقالت فرقة أخرى: تأول آدم أن النهي نهي تنزيهٍ لا نهي تحريمٍ، فأقدم على الأكل لذلك.
وهذا باطلٌ قطعًا من وجوهٍ كثيرةٍ، يكفي منها قوله تعالى: {فَتَكُونَا مِنَ اَلظَّالِمِينَ} [البقرة: ٣٤]. وأيضًا فحيث نهى الله عن فعل الشيء بقربانه لم يكن إلَّا للتحريم، كقوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: ٢٢٠] {وَلَا تَقْرَبُوا اُلزِّنَى} [الإسراء: ٣٢] {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ اَلْيَتِيمِ} [الأنعام: ١٥٣]. وأيضًا لو كان للتنزيه لَمَا أخرجه الله من الجنة وأخبر أنه عصى ربَّه.
وقالت طائفة: بل كان تأويله أن النهي إنما كان عن قُربانهما وأكلهما معًا، لا عن أكل كلٍّ منهما على انفراده؛ لأن قوله: {وَلَا تَقْرَبَا} [البقرة: ٣٤] نهيٌ لهما على الجمع، ولا يلزم من حصول النهي حالَ الاجتماع حصوله حال الانفراد.
وهذا التأويل ذكره ابن الخطيب في «تفسيره» (¬١)، وهو كما ترى في البطلان والفساد. ونحن نقطع أن هذا التأويل لم يخطر بقلب آدم وحواء البتةَ، وهما كانا أعلمَ بالله من ذلك، وأصحَّ أفهامًا! أفترى فَهِمَ أحدٌ عن الله من قوله: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ اَلْيَتِيمِ} [الأنعام: ١٥٣] {وَلَا تَقْرَبُوا اُلزِّنَى} [الإسراء: ٣٢] ونظائره: أي إنما نهيتكم عن اجتماعكم [ق ١٩ أ] على ذلك، دون انفراد
---------------
(¬١) «مفاتيح الغيب» (٣/ ٤٦٢).

الصفحة 168