كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

ومنها: قوله: {وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ} لرفع الوهم لمتوهمٍ أنه يحط الآباء إلى درجة الأبناء ليحصل الإلحاق والتبعية، فأزال هذا الوهم بقوله: {وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم} (¬١) أي: ما نقصنا الآباءَ بهذا الإتباع شيئًا مِن عملهم، بل رفعنا الذرية إليهم قرةً لعيونهم، وإن لم يكن لهم أعمالٌ يستحقون بها تلك الدرجة.
ومنها: قوله: {كُلُّ اُمْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}، فلا يتوهم متوهم أن هذا الإتباع حاصلٌ في أهل الجنة وأهل النار، بل (¬٢) هو للمؤمنين دون الكفار، فإن الله سبحانه لا يعذِّب أحدًا إلَّا بكسبه، وقد يُثِيبه من غير كسبٍ منه.
ومنها: قوله تعالى: {يَانِسَاءَ اَلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ اَلنِّسَا إِنِ اِتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ اَلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} [الأحزاب: ٣٢]. فلمَّا أمرهن بالتقوى التي من شأنها التواضع ولِينُ الكلام نهاهن (¬٣) عن الخضوع بالقول؛ لئلَّا يطمع فيهن ذو المرض، ثم أمرهن بعد ذلك بالقول المعروف رفعًا لتوهُّمِ الإذن في الكلام المنكر لمَّا نُهِينَ عن الخضوع بالقول.
ومن ذلك قوله: {وَكُلُوا وَاَشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ اُلْخَيْطُ اُلْأَبْيَضُ مِنَ اَلْخَيْطِ اِلْأَسْوَدِ مِنَ اَلْفَجْرِ} [البقرة: ١٨٦]، فرفعَ توهُّمَ فَهْم الخيطينِ من الخيوط بقوله: {مِنَ اَلْفَجْرِ} (¬٤).
---------------
(¬١) {مِّنْ عَمَلِهِم} ليس في «ب».
(¬٢) «النار بل» في «ح»: «التأويل».
(¬٣) «ح»: «نهى».
(¬٤) أخرج البخاري (١٩١٧) ومسلم (١٠٩١) عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: «أُنزلت {وَكُلُوا وَاَشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ اُلْخَيْطُ اُلْأَبْيَضُ مِنَ اَلْخَيْطِ اِلْأَسْوَدِ} ولم ينزل {مِنَ اَلْفَجْرِ}. فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رِجْله الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولم يزل يأكل حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله بعد {مِنَ اَلْفَجْرِ} فعلموا أنه إنما يعني الليل والنهار».

الصفحة 180