كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

محيطةٌ ببعض ومكان له. وأمَّا سطح الفلك الخارج (¬١) فقد تبرهن (¬٢) أنه ليس خارجه جسمٌ؛ لأنه لو كان ذلك (¬٣) كذلك لوجب أن يكون خارجَ ذلك الجسم جسمٌ آخر، ويمر (¬٤) الأمر إلى غير نهاية. فإذًا سطحُ آخر أجسام العالم ليس مكانًا أصلًا؛ إذ ليس يمكن أن يوجد فيه جسمٌ؛ لأن كل ما هو مكان يمكن أن يوجد فيه جسمٌ. فإذًا إنْ قام البرهانُ على وجود موجود في هذه الجهة فواجبٌ أن يكون غير جسمٍ، فالذي يمتنع (¬٥) وجوده هناك هو عكس ما ظنه القوم وهو موجود هو جسم، لا موجود ليس بجسم.
وليس لهم أن يقولوا: إن خارج العالم خلاء. وذلك أن الخلاء قد تبيَّن في العلوم النظرية امتناعُه؛ لأن ما يدل عليه اسم الخلاء ليس هو شيئًا أكثرَ من أبعادٍ ليس فيها جسمٌ، أعني: طُولًا وعرضًا وعمقًا؛ لأنه إنْ رُفِعت الأبعادُ (¬٦) عنه عاد عَدَمًا، وإن أُنزِلَ الخلاء موجودًا لزم أن يكون أعراضٌ موجودة في غير جسمٍ؛ وذلك أن الأبعاد هي أعراض من باب الكمية ولا بد. ولكنه قيل في الآراء السالفة القديمة والشرائع الغابرة: إن ذلك الموضع هو مسكن الرُّوحانيين، يريدون الله والملائكة، وذلك أن ذلك الموضع ليس هو بمكان (¬٧) ولا يحويه زمانٌ. وكذلك إن كان كل ما يحويه الزمان والمكان
---------------
(¬١) «مناهج الأدلة»: «الخارجي».
(¬٢) «ح»: «برهن».
(¬٣) «ذلك» ليس في «ح».
(¬٤) «ح»: «وممر».
(¬٥) «ح»: «والذي يمنع».
(¬٦) «ب»: «الأبصار».
(¬٧) «ب»: «مكان».

الصفحة 190