كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

الممثَّل به هو المثال نفسه (¬١)، فيلزمه الحيرة والشك، وهو الذي يُسمَّى متشابهاً في الشرع. وهذا ليس يعرض للعلماء ولا للجمهور، وهم صِنفَا الناس في الحقيقة؛ لأن هؤلاء هم الأصِحَّاء، والغذاء الملائم إنما يُوافق أبدان الأصحاء (¬٢). وأمَّا أولئك فمرضى، والمرضى هم الأقل، ولذلك قال الله تعالى: {فَأَمَّا اَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [آل عمران: ٧]، وهؤلاء أهل الجدل (¬٣) والكلام.
وأشدُّ ما عرض على الشريعة من هذا الصنف أنهم تأولوا كثيرًا ممَّا ظنوه ليس على ظاهره، وقالوا: إن هذا التأويل هو المقصود به، وإنما أتى اللهُ به في صورة المتشابه ابتلاءً لعباده واختبارًا لهم. ونعوذ بالله من هذا الظن بالله، بل نقول: إن كتاب الله العزيز إنما جاء معجِزًا من جهة الوضوح والبيان. فإذًا ما أبعدَ مِن مقصد الشرع مَن قال فيما ليس بمتشابه إنه متشابه. ثم أوَّلَ ذلك المتشابِهَ بزعمه، وقال لجميع (¬٤) الناس: إن فرضكم هو اعتقاد هذا التأويل، مثل ما قالوه في آيات الاستواء على العرش، وغير ذلك ممَّا قالوا إن ظاهره متشابِهٌ.
وبالجملة فأكثرُ التأويلات التي زعم القائلون بها أنها المقصود من الشرع إذا تُؤمِّلَت وُجدتْ ليس يقوم عليها برهانٌ، ولا تفعل فِعل الظاهر في قبول الجمهور لها وعملهم (¬٥) عنها. فإن المقصود الأول بالعلم في حق
---------------
(¬١) «ب»: «يقيسه».
(¬٢) «والغذاء الملائم إنما يوافق أبدان الأصحاء». في «ح»: «عن».
(¬٣) «الجدل» ليس في «ح».
(¬٤) «ح»: «فجميع».
(¬٥) «ب»: «وعلمهم».

الصفحة 194