كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

الجمهور إنما هو العمل، فما كان أنفعَ في العمل فهو أجدرُ. وأما المقصود بالعلم في حق العلماء فهو الأمران جميعًا، أعني العلم والعمل.
ومثال مَن أوَّلَ شيئًا من الشرع، وزعم أن ما أوَّلَه هو الذي قصده الشرع، وصرح بذلك التأويل للجمهور: مثال مَن أتى إلى دواءٍ قد ركَّبه طبيبٌ ماهرٌ ليحفظ صحةَ جميع الناس أو الأكثر، فجاء رجلٌ فلم يلائمه ذلك [ق ٢٢ أ] الدواء المركَّب الأعظم لرداءة مزاجٍ كان به ليس يعرض إلَّا للأقل من الناس، فزعَمَ أن بعض الأدوية الذي (¬١) صرَّح باسمه الطبيبُ الأول في ذلك الدواء العام المنفعة المركَّب لم يُرِدْ به ذلك الدواءَ التي جرت العادة في اللسان أن يدل بذلك الاسم عليه، وإنما أراد به دواءً آخَرَ ممَّا يمكن أن يدل عليه بذلك باستعارة بعيدة، فأزال ذلك الدواء الأول من ذلك المركب الأعظم، وجعلَ فيه بدلَه الدواء الذي ظن أنه الذي قصده الطبيبُ، وقال للناس: هذا هو الذي قصده الطبيبُ الأول. فاستعمل الناسُ ذلك الدواء المركَّب على الوجه الذي تأوَّله عليه ذلك المتأوِّل (¬٢)، ففسدت به أمزجةُ كثيرٍ من الناس. فجاء آخرون فشعروا بفساد أمزجة الناس عن ذلك الدواء المركَّب، فراموا إصلاحه بأن أبدلوا بعض أدويته بدواءٍ آخرَ غير الدواء الأول، فعرض من ذلك للناس نوعٌ من المرض غير النوع (¬٣) الأول. فجاء ثالثٌ فتأوَّل في أدوية ذلك المركَّب غيرالتأويل الأول والثاني، فعرض من ذلك للناس (¬٤) نوعٌ ثالثٌ من المرض
---------------
(¬١) «ب»: «التي».
(¬٢) في النسختين: «المثال». والمثبت من «م» و «مناهج الأدلة».
(¬٣) «النوع ليس في «ح».
(¬٤) «للناس» ليس في «ب».

الصفحة 195