كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

غير النوعين المتقدمين. فجاء متأوِّلٌ رابع فتأول دواءً آخر غير الأدوية المتقدمة. فعرض منه للناس نوعٌ رابعٌ من المرض (¬١) غير الأمراض المتقدمة، فلمَّا طال الزمان بهذا الدواء المركَّب الأعظم، وسلط الناس التأويل على أدويته وغيَّروها وبدَّلوها، عرض منه للناس أمراضٌ شتى، حتى فسدت المنفعة المقصودة بذلك الدواء المركَّب في حق أكثر الناس.
وهذه هي حال هذه الفِرَق الحادثة في الشريعة. مع الشريعة، وذلك أن كل (¬٢) فرقةٍ منهم تأوَّلت في الشريعة تأويلًا غير التأويل الذي تأوَّلته الفرقةُ الأخرى، وزعمت أنه الذي قصده صاحب الشرع، حتى تمزَّقَ الشرعُ كلَّ مُمزَّقٍ، وبَعُدَ جدًّا عن موضوعه الأول. ولمَّا علم (¬٣) صاحب الشرع - صلى الله عليه وسلم - أن مثل هذا يعرض، ولا بد، في شريعته، قال: «سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً» (¬٤). يعني بالواحدة: التي سلكت ظاهرَ الشرع
---------------
(¬١) «ح»: «الأمراض».
(¬٢) «كل» سقط من «ح».
(¬٣) «ح»: «علمه».
(¬٤) أخرجه الإمام أحمد (١٧٢١١) وأبو داود (٤٥٩٧) والحاكم في «المستدرك» (١/ ١٢٨) عن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما -. وقال الحاكم: «هذه أسانيد تقام بها الحُجة في تصحيح هذا الحديث». وقال ابن كثير في «البداية والنهاية» (١٩/ ٣٨): «تفرد به أبو داود، وإسناده حسن».
وأخرجه أحمد (١٢٨١٥) وابن ماجه (٣٩٩٣) والضياء في «المختارة» (٧/ ٨٩) عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، وقال البوصيري في «مصباح الزجاجة» (١٤١٢): «إسناد صحيح رجاله ثقات».
قلنا: وفي الباب عن جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم -، ينظر: «تخريج أحاديث الكشاف» للزيلعي (١/ ٤٤٧ - ٤٥١) و «الأجوبة المرضية» للسخاوي (١٤٧). وقال شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى» (٣/ ٣٤٥): «الحديث صحيح مشهور في السنن والمساند».

الصفحة 196