كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

فاضَ من (¬١) المبدأ الأول على العقل الفعَّال، ثم فاضَ من ذلك العقل على النفس الناطقة الزكية المستعدة؛ لم يفهموا ذلك. ولو أخبروهم عن المعاد الرُّوحاني بما هو عليه لم يفهموه، فقرَّبوا لهم الحقائقَ المعقولة في إبرازها في الصور المحسوسة، وضربوا لهم الأمثال بقيام الأجساد من القبور في يوم العرض والنشور، ومصيرها إلى جنةٍ فيها أكلٌ وشربٌ ولحمٌ وخمرٌ وجوارٍ حِسانٌ، أو نارٍ فيها أنواع العذاب، تفهيمًا للذة الرُّوحانية بهذه الصورة، والألم الرُّوحاني بهذه الصورة (¬٢).
وهكذا فعلوا في وجود الربِّ وصفاته وأفعاله، ضربوا لهم الأمثال بموجودٍ (¬٣) عظيمٍ جدًّا أكبر من كل موجودٍ، وله سريرٌ عظيمٌ وهو مستوٍ فوق سريره، يسمع ويبصر ويتكلم، ويأمر وينهى، ويرضى ويغضب، ويأتي ويجيء وينزل، وله يدانِ ووجهٌ، ويفعل بمشيئته وإرادته، وإذا تكلم العبادُ سمع (¬٤) كلامَهم، وإذا تحركوا رأى حركاتِهم، وإذا هجسَ في قلب أحدٍ منهم هاجسٌ عَلِمَه، وأنه ينزل كل ليلة إليهم (¬٥) إلى سمائهم هذه فيقول: «مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، وَمَنْ (¬٦) يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ» (¬٧). إلى غير ذلك ممَّا نطقت به الكتبُ الإلهية.
---------------
(¬١) «من» ليس في النسختين، وأثبته من «م».
(¬٢) «والألم الروحاني بهذه الصورة» ليس في «ب».
(¬٣) «ح»: «بوجود».
(¬٤) «ب»: «يسمع».
(¬٥) «ح»: «لهم».
(¬٦) «ب»: «من».
(¬٧) أخرجه البخاري (١١٤٥) ومسلم (٧٥٨) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.

الصفحة 199