كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

معرفة كُنْهها وكيفيتها؛ فإن الله سبحانه لم يكلِّف عباده بذلك، ولا أراده منهم، ولم يجعل لهم إليه سبيلًا. بل كثيرٌ من مخلوقاته أو أكثرها لم يجعل لهم سبيلًا إلى معرفة كنهه وكيفيته، وهذه أرواحهم ـ التي هي أدنى إليهم من كل دانٍ (¬١) ـ قد حجَبَ عنهم معرفة كنهها وكيفيتها، و [ما] (¬٢) جعَلَ لهم السبيل إلى معرفتها والتمييز (¬٣) بينها وبين أرواح البهائم.
وقد أخبرنا سبحانه عن تفاصيل يوم القيامة وما في الجنة والنار، فقامت حقائقُ ذلك في قلوب أهل الإيمان، وشاهدته عقولُهم، ولم يعرفوا كيفيته وكُنْهه. فلا يشك المسلمون أن في الجنة أنهارًا من خمرٍ، وأنهارًا من عسلٍ، وأنهارًا من لبنٍ، ولكن لا يعرفون كُنْهَ ذلك ومادته وكيفيته؛ إذ كانوا لا يعرفون في الدنيا الخمر إلَّا ما اعتُصِرَ من الأعناب، والعسل إلَّا ما قذفت به النحلُ في بيوتها، واللبن إلَّا ما خرج من الضروع، والحرير إلَّا ما خرج من فم دود القزِّ، وقد فهموا معانيَ ذلك في الجنة من غير أن يكون مماثِلًا لما في الدنيا، كما قال ابن عباسٍ: «ليس في الدنيا ممَّا في الآخرةِ إلَّا الأسماءُ» (¬٤).
ولم يمنعهم عدم النظير في الدُّنيا مِن فَهْمِ ما أُخبروا به من ذلك، فهكذا
---------------
(¬١) «ح»: «ذات».
(¬٢) سقط من النسختين، وأثبته ليستقيم السياق.
(¬٣) «ب»: «وبالتمييز».
(¬٤) أخرجه هناد في «الزهد» (٣) والطبري في «تفسيره» (١/ ٤١٦) وابن أبي حاتم في «تفسيره» (١/ ٦٦) وأبو نعيم في «صفة الجنة» (١٢٤) والبيهقي في «البعث والنشور» (١/ ٢١٠) والضياء في «الأحاديث المختارة» (١٠/ ١٦) ولفظه «الجنة» بدل «الآخرة». وجوَّد المنذري في «الترغيب والترهيب» (٤/ ٣١٦) إسناده، وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (٢١٨٨).

الصفحة 205