كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

الأسماء والصفات لم يمنعهم انتفاء نظيرها في الدنيا ومثالها مِن فَهْم حقائقها ومعانيها، بل قام بقلوبهم معرفة حقائقها وانتفاء التمثيل والتشبيه عنها. وهذا هو المثل الأعلى الذي أثبته سبحانه لنفسه في ثلاثة مواضع من القرآن:
أحدها: قوله: {لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ اُلسَّوْءِ وَلِلَّهِ اِلْمَثَلُ اُلْأَعْلَى وَهْوَ اَلْعَزِيزُ اُلْحَكِيمُ} [النحل: ٦٠].
الثاني: قوله: {وَهْوَ اَلَّذِي يَبْدَأُ اُلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهْوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ اُلْمَثَلُ اُلْأَعْلَى فِي اِلسَّمَاوَاتِ وَاَلْأَرْضِ وَهْوَ اَلْعَزِيزُ اُلْحَكِيمُ} [الروم: ٢٦].
الثالث: قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهْوَ اَلسَّمِيعُ اُلْبَصِيرُ} [الشورى: ٩].
فنفى سبحانه المماثلةَ عن هذا المثل الأعلى، وهو ما في قلوب أهل سماواته وأرضه من معرفته والإقرار بربوبيته وأسمائه وصفاته وذاته. فهذا المثل الأعلى هو الذي آمَنَ (¬١) به المؤمنون، وأَنِسَ به العارفون، وقامت شواهدُه في قلوبهم بالتعريفات الفطرية المكملة بالكتب الإلهية، المقبولة بالبراهين العقلية، فاتفق على الشهادة بثبوته العقلُ والسمعُ والفطرة. فإذا قال المثبت: يا الله، قام بقلبه ربًّا قيُّومًا قائمًا (¬٢) بنفسه، مستويًا على عرشه، مُكلَّمًا مُتكلِّمًا سامعًا رائيًا (¬٣) قديرًا مريدًا فعَّالًا لما يشاء، يسمع دعاء الداعين، ويقضي حوائجَ السائلين، ويُفرِّج عن (¬٤) المكروبين، تُرضيه الطاعات،
---------------
(¬١) «ب»: «أنس».
(¬٢) «قائما» ليس في «ح».
(¬٣) «رائيا» ليس في «ح».
(¬٤) «ب»: «عند». وهو تحريف.

الصفحة 206