كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

وتُغضبه المعاصي، تَعرُجُ الملائكةُ بالأمر إليه، وتنزل بالأمر من عنده.
وإذا شئتَ زيادةَ تعريفٍ بهذا المثل الأعلى فقدِّر (¬١) قُوى جميع المخلوقات اجتمعت لواحدٍ منهم، ثم كان جميعهم على قوة ذلك الواحد، فإذا نسبتَ قوته إلى قوة الربِّ تبارك وتعالى لم تجد لها نسبة وإيَّاها البتةَ، كما لا تجد نسبة بين قوة البعوضة وقوة الأسد. فإذا قدرتَ علوم الخلائق اجتمعت لرجلٍ واحدٍ، ثم قدرتَ جميعهم بهذه المثابة كانت علومهم بالنسبة إلى عِلمه تعالى كنقرة عصفورٍ من بحرٍ. وإذا قدرتَ حِكمة جميع المخلوقين على هذا التقدير لم يكن لها نسبة إلى حِكمته. وكذلك إذا قدَّرتَ كل جمالٍ في الوجود اجتمع لشخصٍ [ق ٢٣ ب] واحدٍ، ثم كان الخَلْق كلهم بذلك الجمال كان نسبته إلى جمال الربِّ تعالى وجلاله دون نسبة السِّراج الضعيف إلى (¬٢) جرم الشمس.
وقد نبَّهنا الله سبحانه على هذا المعنى بقوله: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي اِلْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَاَلْبَحْرَ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اُللَّهِ إِنَّ اَللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [لقمان: ٢٦]. فقدِّرِ البحر المحيط بالعالَم مِدادًا ووراءه سبعة أبحر تحيط به كلها مِدادٌ تُكتب (¬٣) به كلماتُ الله، نفدت البحارُ، وفنيت الأقلامُ ـ التي لو قدرت جميع أشجار الأرض من حين خُلِقت إلى آخِر الدنيا ـ ولم تنفد كلمات الله.
وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أَنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ فِي الْكُرْسِيِّ كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ
---------------
(¬١) «ح»: «فعد».
(¬٢) «ح»: «في».
(¬٣) «ح»: «يكتب».

الصفحة 207