كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

والفسوق: مجالس الطيبة. حتى إن بعضهم لمَّا عُذل عن شيءٍ من ذلك قال لعاذله: «ترك المعاصي والتخوف منها إساءةُ ظنٍّ برحمة الله، وجُرأة على سعة عفوه ومغفرته». فانظر ماذا تفعل هذه الكلمة في قلبٍ ممتلئٍ بالشهوات ضعيف العلم والبصيرة.
فصل
السبب الثاني: أن يخرج المعنى الذي يريد إبطاله بالتأويل في صورةٍ مستهجَنةٍ، تنفر عنها القلوب، وتنبو عنها الأسماع، فيتخير له من الألفاظ أكرهَها وأبعدها وصولًا إلى القلوب، وأشدَّها نفرةً عنها، فيتوهم السامع أن معناها هو الذي دلت عليه تلك الألفاظ. فيُسمِّي التديُّن: ثَقَالةً، وعدمَ الانبساط إلى السفهاء والفساق والبطالين: سُوءَ خُلق، والأمرَ بالمعروف والنهي عن المنكر والغضب لله والحمية لدينه: فتنةً وشرًّا وفضولًا.
وكذلك (¬١) أهل البدع والضلال من جميع الطوائف تُعظِّم ما يُنفِّرون به عن الحق ويدعون به إلى الباطل، فيُسمُّون إثبات صفات الكمال لله: تجسيمًا وتشبيهًا وتمثيلًا، ويُسمون إثبات الوجه واليدين له: تركيبًا، ويسمون إثبات استوائه على عرشه وعلوِّه على خَلْقه فوق سماواته: تحيُّزًا وتجسيمًا، ويسمون العرش: حيزًا وجِهةً، ويُسمُّون الصِّفات: أعْراضًا، والأفعال: حوادثَ، والوجه واليدين: أبعاضًا، والحِكَم والغايات التي يفعل لأجلها: أغراضًا. فلمَّا وضعوا لهذه المعاني الصحيحة الثابتة تلك الألفاظ المستنكَرة الشنيعة تمَّ لهم مِن نفيها وتعطيلها ما أرادوه، فقالوا للأغمار والأغفال:
---------------
(¬١) «ح»: «فكذلك».

الصفحة 213