كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

به الرُسل من اليوم الآخر والمعاد وتفاصيله والجنة والنار.
ويُسمَّى تعبيرُ الرؤيا تأويلًا بالاعتبارين؛ فإنه تفسيرٌ لها، وهو عاقبتها وما تؤول إليه، وقال يوسف لأبيه: {يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُءْيَايَ مِن قَبْلُ} [يوسف: ١٠٠] أي: حقيقتها ومصيرها إلى هاهنا انتهت.
وتُسمَّى العِلة الغائية والحكمة المطلوبة بالفعل تأويلًا؛ لأنها بيانٌ لمقصود الفاعل وغرضه من الفعل الذي لم يعرف الرائي له غرضَه به. ومنه قول الخضر لموسى ـ عليهما السلام ـ بعد أن ذكَر له الحكمة المقصودة بما فعله من تخريق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار بلا عوض: {سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف: ٧٧]. فلمَّا أخبره بالعلة الغائية التي انتهى إليها فعله قال: {ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف: ٨١].
فالتأويل في كتاب الله سبحانه وتعالى المراد به: حقيقة المعنى الذي يؤول اللفظ إليه، وهي الحقيقة الموجودة في الخارج، فإن الكلام نوعان: خبرٌ وطلبٌ. فتأويل الخبر هو الحقيقة، وتأويل الوعد والوعيد هو نفس الموعود والمتوعد به، وتأويل ما أخبر الله به مِن صفاته وأفعاله نفس ما هو عليه سبحانه، وما هو موصوفٌ به من الصِّفات العُلى، وتأويل الأمر هو نفس الأفعال المأمور بها. قالت عائشة: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في ركوعه وسجوده: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ. يتأوَّلُ القرآنَ» (¬١). فهذا التأويل هو نفس فِعل المأمور به (¬٢)، فهذا التأويل في كلام الله ورسوله.
---------------
(¬١) أخرجه البخاري (٨١٧) ومسلم (٤٨٤).
(¬٢) «به» ليس في «ب».

الصفحة 24