كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

وأمَّا التأويل في اصطلاح أهل التفسير والسلف من أهل الفقه والحديث فمرادهم به معنى التفسير والبيان. ومنه قول ابن جرير وغيره: «القول في تأويل قوله تعالى كذا وكذا»، يريد: تفسيره. ومنه قول الإمام أحمد في كتابه في «الرد على الجهمية» (¬١): «فيما تأولته مِن القرآن على غير تأويله». فأبطلَ تلك التأويلاتِ التي ذكروها، وهي تفسيرها المراد بها، وهو تأويلها عنده. فهذا التأويل يرجع إلى فَهْم المعنى (¬٢) وتحصيله في الذهن، والأول يعود إلى وقوع حقيقته في الخارج.
وأمَّا المعتزلة والجهمية وغيرهم من فرق المتكلمين فمرادهم بالتأويل: صرف اللفظ عن ظاهره وحقيقته إلى مجازه وما يخالف ظاهرَه (¬٣). وهذا هو الشائع في عُرف المتأخرين من أهل الأصول والفقه، ولهذا يقولون: «التأويل على خلاف الأصل»، و «التأويل يحتاج إلى دليل».
وهذا التأويل هو الذي صُنِّف في تسويغه وإبطاله من الجانبين، فصَنَّف جماعةٌ في تأويل آيات (¬٤) الصِّفات وأخبارها، كأبي بكر بن فُورَك (¬٥) وابن مهدي الطبري (¬٦) وغيرهما، وعارَضهم آخرون فصنَّفوا في إبطال تلك
---------------
(¬١) «الرد على الجهمية» (ص ٩٧).
(¬٢) «ح»: «المؤمن».
(¬٣) «وحقيقته إلى مجازه وما يخالف ظاهره» ليس في «ح».
(¬٤) «ب»: «إثبات».
(¬٥) كتابه «مشكل الحديث وبيانه» مطبوع معروف متداوَل.
(¬٦) هو أبو الحسن علي بن محمد بن مهدي الطبري تلميذ الشيخ أبي الحسن الأشعري، له كتاب «مشكل الأحاديث الواردة في الصفات» أو «تأويل الأحاديث المشكلات الواردات في الصفات»، كما في ترجمته في «تبيين كذب المفتري» لابن عساكر (ص ١٩٥ - ١٩٦) و «تاريخ الإسلام» للذهبي (٨/ ٤٩٢) و «طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي (٣/ ٤٦٦). وله مخطوط اسمه «تأويل الآيات المشكلة الموضحة» محفوظ في مكتبة طلعت المودعة بدار الكتب المصرية، في مجموع رقم ٤٩١.

الصفحة 25