كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

يبقى أن يقال: فلم يكن هناك قتالٌ حتى يقول: نحن (¬١) قتلناكم؟
فيقال: هذا تخويف (¬٢) وتهديد، أي: إن قاتلتمونا قاتلناكم، وقتلناكم على التأويل والتنزيل. وعلى التقديرين فليس المرادُ بالتأويل صرْفَ اللفظ عن حقيقته إلى مجازه.
ومن هذا قول الزُّهري: «وقعت الفتنة وأصحاب محمدٍ متوافِرون، فأجمعوا أن كل مالٍ أو دمٍ أُصيب بتأويل القرآن فهو هدَرٌ، أَنزلوهم منزلة أهل الجاهلية» (¬٣).
أي: إن القبيلتين في الفتنة إنما اقتتلوا على تأويل القرآن ـ وهو تفسيره ـ وما ظهر لكل طائفةٍ منه حتى دعاهم إلى القتال. فأهلُ الجمل وصِفين إنما اقتتلوا على تأويل القرآن (¬٤)، وهؤلاء يحتجون به وهؤلاء يحتجون به (¬٥).
نعم، التأويل الباطل تأويل أهل الشام قوله - صلى الله عليه وسلم - لعمار: «تَقْتُلُكَ الفِئَةُ البَاغِيَةُ» (¬٦). فقالوا: نحن لم نقتله، إنما قتله مَن جاء به حتى أوقعه بين
---------------
(¬١) «نحن» ليس في «ح».
(¬٢) في «ح»: «تحريف». وهو تصحيف.
(¬٣) أخرجه الخلال في «السنة» (١٢٧).
(¬٤) من قوله: «وهو تفسيره» إلى هنا ليس في «ب».
(¬٥) «وهؤلاء يحتجون به» ليس في «ح».
(¬٦) أخرجه مسلم (٢٩١٥، ٢٩١٦) عن أبي سعيد الخدري عن أبي قتادة الأنصاري وأم سلمة - رضي الله عنهم -. ووقعت هذه اللفظة في بعض روايات «صحيح البخاري» (٤٤٧) عن أبي سعيد الخدري، وينظر «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٣٥/ ٧٤) و «فتح الباري» لابن حجر (١/ ٥٤٢). وقال ابن حجر في «فتح الباري» (١/ ٥٤٣): «روى حديث: «تقتلُ عمارًا الفئةُ الباغيةُ» جماعة من الصحابة، منهم: قتادة بن النعمان كما تقدم، وأم سلمة عند مسلم، وأبو هريرة عند الترمذي، وعبد الله بن عمرو بن العاص عند النسائي، وعثمان بن عفان وحذيفة وأبو أيوب وأبو رافع وخزيمة بن ثابت ومعاوية وعمرو بن العاص وأبو اليسر وعمار ـ نفسه ـ وكلها عند الطبراني وغيره، وغالب طرقها صحيحة أو حسنة، وفيه عن جماعة آخرين يطول عدُّهم». وقال النووي في «شرح صحيح مسلم» (١٨/ ٤٠): «قال العلماء: هذا الحديث حُجةٌ ظاهرةٌ في أن عليًّا - رضي الله عنه - كان محقًّا مصيبًا، والطائفة الأخرى بغاة، لكنهم مجتهدون فلا إثم عليهم لذلك».

الصفحة 29