كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

على خلق العرش، فإن هذا لا يُعرف في لغة العرب، بل ولا غيرها من الأُمم أن مَنْ أقبل على الشيء يقال: قد استوى عليه، ولا يقال لمن أقبل على الرجل: قد استوى عليه، ولا لمن أقبل على عمل من الأعمال من قراءة أو كتابة أو صناعة: قد استوى عليها، ولا لمن أقبل على الأكل قد استوى على الطعام. فهذه لغة القوم وأشعارهم وألفاظهم موجودة ليس في شيءٍ (¬١) منها ذلك البتة.
وهذا التأويل يَبطُل من وجوهٍ كثيرةٍ سنذكرها في موضعها (¬٢)، لو لم يكن منها إلَّا تكذيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصاحب هذا التأويل لكفاه، فإنه قد ثبت في الصحيح (¬٣): «إِنَّ اللَّهَ قَدَّرَ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ». فكان العرش موجودًا قبل خلْقِ السماوات والأرض بأكثر من خمسين ألف سنة، فكيف يقال إنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم أقبل على خلق العرش.
والتأويل إذا تضمَّن تكذيب صاحبه (¬٤) فحسبُه ذلك بطلانًا، وأكثر تأويلات القوم من هذا الطراز، وسيمر بك منها ما هو قُرة عين لكل موحدٍ، وسخنة عين لكل ملحدٍ.
---------------
(¬١) «ب»: «بشيء».
(¬٢) للأسف هو في الجزء المفقود من الكتاب، وهو في «مختصر الصواعق» (٣/ ٨٨٨ - ٩٤٦).
(¬٣) صحيح مسلم (٢٦٥٣) عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -.
(¬٤) «ب»: «الرسول».

الصفحة 34