كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

الخامس: ما أُلِفَ استعماله في ذلك المعنى لكن في غير التركيب الذي ورد به النصُّ، فيحمله المتأوِّل في هذا التركيب الذي لا يحتمله على مجيئه في تركيبٍ آخر يحتمله، وهذا مِن أقبحِ الغلط والتلبيس (¬١)، كتأويل اليدين في قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: ٧٤] بالنعمة. ولا ريب أن العرب تقول: لفلان عندي يدٌ، وقال عروة بن مسعود للصدِّيق: «لولا يدٌ لك عندي لم أَجْزِكَ بها لَأجبتُك» (¬٢)؛ ولكن وقوع اليد في هذا التركيب الذي أضاف سبحانه فيه الفعلَ إلى نفسه، ثم تعدَّى الفعلُ إلى اليد بالباء التي هي نظير: كتبتُ بالقلم، وثنَّى (¬٣) اليد، وجعل ذلك خاصةً خَصَّ بها صفِيَّه آدمَ دون البشر، كما خَصَّ المسيح بأنه نفَخَ فيه مِن رُوحه، وخَصَّ موسى بأنه كلَّمه بلا واسطة، فهذا ممَّا يحيل تأويل اليد في النصِّ بالنعمة، وإن كانت في تركيبٍ آخر تصلح لذلك، فلا يلزم من صلاحية اللفظ لمعنًى ما في تركيبٍ صلاحيته له في كل تركيبٍ.
وكذلك قوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (٢١) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: ٢١ - ٢٢] يستحيل فيها تأويلُ النظر بانتظار الثواب؛ فإنه أضاف النظرَ إلى الوجوه التي هي محلُّه، وعدَّاه بحرف «إلى» التي إذا اتصل بها فِعل النظر كان مِن نَظرِ العين ليس إلَّا، ووصَفَ الوجوهَ بالنضرة التي لا تحصل إلَّا مع حضور ما يُتنعَّم به لا مع التنغيص بانتظاره، ويستحيل مع هذا التركيب تأويلُ النظر بغير الرؤية، وإن
---------------
(¬١) «ب»: «والبلية».
(¬٢) أخرجه البخاري (٢٧٣١) عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم في حديث صلح الحديبية الطويل.
(¬٣) «ح»: «وهي».

الصفحة 35