كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

كان النظرُ بمعنى الانتظار قد استُعْمِل في قوله: {اُنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ} [الحديد: ١٣] وقوله تعالى: {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ اُلْمُرْسَلُونَ} [النمل: ٣٦].
ومثلُ هذا قولُ الجهمي المُلبِّس: «إذا قال لك المشبِّه: {اَلرَّحْمَنُ عَلَى اَلْعَرْشِ اِسْتَوى} [طه: ٤] فقل له: العرش له عدَّة (¬١) معانٍ، والاستواء له خمسةُ معانٍ، فأي ذلك المراد؟ فإن المشبِّه يتحير ولا يدري ما يقول، ويكفيك مؤونته».
فيقال لهذا الجاهل الظالم الفاتن المفتون: ويلَك! ما ذنب الموحِّد الذي سمَّيتَه أنت وأصحابك مُشبِّهًا، وقد قال لك نفس ما قال الله، فوالله لو كان مُشبِّهًا ـ كما تزعم ـ لكان أولى بالله ورسوله منك؛ لأنه لم يتعدَّ النص.
وأمَّا قولك: «للعرش سبعة معانٍ أو نحوها، وللاستواء خمسة معانٍ». فتلبيسٌ منك، وتمويهٌ على الجُهال، وكذبٌ ظاهرٌ؛ فإنه ليس لعرش الرحمن الذي استوى عليه إلَّا معنًى واحد، وإن كان للعرش من حيث الجملة عدة معانٍ، فاللام للعهد، وقد صار بها العرشُ مُعَيَّنًا، وهو عرش الربِّ جل جلاله الذي هو سَرِير مُلكه، الذي اتفقت عليه الرُّسل (¬٢)، وأقرَّت به الأُمم إلَّا مَن نابَذَ الرُّسلَ.
وقولك: «الاستواء له عدَّة معانٍ». تلبيسٌ آخر؛ فإن الاستواء المُعدَّى بأداة «على» ليس له إلَّا معنًى واحد. وأمَّا الاستواء المطلق فله عدة معانٍ،
---------------
(¬١) «ح»: «عنده» والمثبت من «ب»، «م»، وكتب فوقه في «ب»: «سبعة». وعليه «ظ» أي أنه استظهار من الناسخ.
(¬٢) من قوله: «جل جلاله» إلى هنا سقط من «ح».

الصفحة 36