كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

فإن العرب تقول: استوى كذا: إذا انتهى وكملَ. ومنه قوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاَسْتَوَى} [القصص: ١٣]. وتقول: استوى وكذا: إذا ساواه، نحو قولهم: استوى الماءُ والخشبةُ، واستوى الليلُ والنهارُ. وتقول: استوى إلى كذا: إذا قصدَ إليه عُلوًّا وارتفاعًا، نحو: استوى إلى السطح والجبل. واستوى على كذا أي: إذا ارتفع عليه وعلا عليه. لا تعرف العربُ غيرَ هذا.
فالاستواء في هذا التركيب نَصٌّ لا يحتمل غيرَ معناه، كما هو نصٌّ في قوله: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاَسْتَوَى} [القصص: ١٣] لا يحتمل غيرَ معناه، ونصٌّ في قولهم: «استوى الليلُ والنهارُ» في معناه لا يحتمل غيره. فدعوا التلبيس (¬١) فإنه لا يُجدِي عليكم إلَّا مقتًا عند الله وعند الذين آمنوا.
السادس: اللفظ الذي اطَّرد استعمالُه في معنًى هو ظاهرٌ فيه، ولم يُعهَد استعمالُه في المعنى المؤوَّل، أو عُهِدَ استعمالُه فيه نادرًا، فتأويلُه حيث وردَ، وحملُه على خلاف المعهود من استعماله باطلٌ، فإنه يكون تلبيسًا وتدليسًا يُناقض البيانَ والهداية. بل إذا أرادوا استعمال مثل هذا في غير معناه المعهود حفُّوا به من القرائن ما يُبيِّن للسامع مرادَهم به؛ لئلَّا يسبق فهمه إلى معناه المألوف. ومن تأمَّل [ق ٥ أ] لغةَ القوم وكمالَ هذه اللغة وحكمةُ واضعها تبيَّن له صحة ذلك.
وأمَّا أنهم يأتون إلى لفظٍ له معنًى قد أُلف استعمالُه فيه، فيُخرِجونه عن معناه، ويطردون استعماله في غيره، مع تأكيده بقرائن تدل على أنهم أرادوا معناه الأصلي؛ فهذا من أمحلِ المحالِ. مثاله قوله تعالى: {وَكَلَّمَ اَللَّهُ مُوسى
---------------
(¬١) «ب»: «التلبس».

الصفحة 37