كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

في فهمها الخاص والعام، أعني: فَهْم أصل المعنى لا فهم الكُنْه والكيفية. ولهذا أشكل على بعض الصحابة قوله: {يَتَبَيَّنَ لَكُمُ اُلْخَيْطُ اُلْأَبْيَضُ مِنَ اَلْخَيْطِ اِلْأَسْوَدِ} حتى بُيِّنَ لهم بقوله: {مِنَ اَلْفَجْرِ} [البقرة: ١٨٦] ولم يشكل عليه ولا على غيره قوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ اَلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: ١٨٥] وأمثالها من آيات الصِّفات، وأشكل على عمر بن الخطاب آية الكلالة، ولم يشكل عليه أول الحديد وآخر الحشر وأول سورة طه، ونحوها من آيات الصِّفات (¬١).
وأيضًا فإن بعض آيات الأحكام مجملة عُرِفَ بيانها بالسُّنَّة؛ كقوله تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: ١٩٥] فهذا مجملٌ في قدْر الصيام والإطعام، فبيَّنته السُّنَّة بأنه صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، أو ذبح شاة (¬٢). وكذلك قوله: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ اِلْعَتِيقِ} [الحج: ٢٧] مجملٌ في مقدار الطواف، فبيَّنته السُّنَّة بأنه سبعٌ (¬٣). ونظائره كثيرة، كآية السرقة وآية الزكاة وآية الحج. وليس في آيات الصِّفات وأحاديثها مجملٌ يحتاج إلى بيانٍ مِن خارج، بل بيانها فيها، وإن جاءت السُّنَّة بزيادة في البيان والتفصيل فلم تكن آيات الصِّفات مجملةً محتملةً لا يُعلَم (¬٤) المرادُ منها إلَّا بالسُّنَّة،
---------------
(¬١) من قوله: «وأشكل على عمر» إلى هنا ليس في «ح».
(¬٢) «بأنه صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين أو ذبح شاة». في «ب»: «بنسك شاة أو إطعام ستة مساكين أو صيام ثلاثة أيام». والحديث أخرجه البخاري (١٨١٤) ومسلم (١٢٠١) عن كعب بن عجرة - رضي الله عنه -.
(¬٣) من قوله: «وكذلك قوله» إلى هنا ليس في «ح».
(¬٤) في «ب»: «مجملة لا يفهم».

الصفحة 49