كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

الفصل الخامس (¬١)
في الفرق بين تأويل التحريف وتأويل التفسير
وأن الأول ممتنعٌ (¬٢) وقوعُه في الخبر والطلب والثاني يقع فيهما
ذكَر الله سبحانه التحريف ـ وذمَّه حيث ذكره ـ وذكر التفسير وذكر التأويل.
فالتفسير هو: إبانة المعنى وإيضاحه، قال الله تعالى: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الفرقان: ٣٣] وهذا غاية الكمال، أن يكون المعنى في نفسه حقًّا، والتعبير عنه أفصحَ تعبيرٍ وأحسنه. وهذا شأن القرآن وكلام الرسول صلوات الله وسلامه عليه.
والتحريف: العدول بالكلام عن وجهه وصوابِه إلى غيره. وهو نوعان: تحريفُ لفظه، وتحريفُ معناه. والنوعان مأخوذان في الأصل عن اليهود، فهم الراسخون فيهما (¬٣)، وهم شيوخ المحرِّفين وسلفُهم؛ فإنهم حرَّفوا كثيرًا من ألفاظ التوراة، وما غُلِبوا عن تحريف لفظه حرَّفوا معناه، ولهذا وُصفوا بالتحريف في القرآن دون غيرهم من الأُمم. ودرج على آثارهم في ذلك الرافضةُ؛ فهم أشبهُ بهم من القُذَّة بالقُذَّة (¬٤)، والجهميةُ؛ فإنهم سلكوا في
---------------
(¬١) «ح»: «الرابع».
(¬٢) «ب»: «يمتنع».
(¬٣) «ح»: «فيها».
(¬٤) القذة: ريشة السهم، وقوله: «أشبه بهم من القذة بالقذة» أراد تمام الشبه بينهما؛ لأن كل واحدة من القذتين تُقَّدر على قدر صاحبتها وتقطع. ينظر «النهاية في غريب الحديث» (٤/ ٢٨).

الصفحة 52