كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)
وخبرًا، فهو العلم المُزكِّي للنفوس، المُكمِّل للفِطَر، المُصحِّح للعقول، الذي خصَّه الله باسم العلم، وسمَّى ما عارضه ظنًّا لا يغني من الحقِّ شيئًا، وخرصًا وكذبًا، فقال تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ اَلْعِلْمِ} [آل عمران: ٦٠]. وشهد لأهله أنهم أولو العلم، فقال تعالى: {وَقَالَ اَلَّذِينَ أُوتُوا اُلْعِلْمَ وَاَلْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثتُّمْ فِي كِتَابِ اِللَّهِ إِلَى يَوْمِ اِلْبَعْثِ} [الروم: ٥٦]. وقال: {شَهِدَ اَللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَاَلْمَلَائِكَةُ وَأُوْلُوا اُلْعِلْمِ} [آل عمران: ١٨] والمراد أولو العلم بما أنزله على رسله ليس إلَّا، ليس المراد أولو العلم بالمنطق والفلسفة وفروعهما (¬١).
وقال تعالى: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: ١١١] فالعلم الذي أمره باستزادته هو علم الوحي، لا علم الكلام والفلسفة والمنطق.
وقال تعالى: {* لَّكِنِ اِللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء: ١٦٥] أي: أنزله وفيه عِلْمُه (¬٢)، لا يعلمه البشر. فالباء للمصاحبة، مثل قوله: {* فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاَعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اِللَّهِ} [هود: ١٤] أي: أُنزل وفيه علم الله (¬٣)، وذلك من أعظم البراهين على صحة نبوة من جاء به. ولم يصنع
---------------
(¬١) «ح»: «وفروعهم». والمثبت من «م».
(¬٢) وهو قول الزجاج في «معاني القرآن» (٢/ ١٣٤) وأبي علي الفارسي في «الحجة للقراء السبعة» (٢/ ١٦٠). وينظر «التفسير البسيط» (٧/ ١٩٩).
(¬٣) قال الزجاج في «معاني القرآن» (٣/ ٤٢): «ومعنى {أُنزِلَ بِعِلْمِ اِللَّهِ} أي: أُنزل والله عالم بإنزاله، وعالم أنه حقٌّ من عنده، ويجوز أن يكون ـ والله أعلم ـ {بِعِلْمِ اِللَّهِ} أي: بما أنبأ الله فيه من غيبٍ، ودلَّ على ما سيكون وما سلف، ممَّا لم يقرأ به النبي - صلى الله عليه وسلم - كتابًا، وهذا دليل على أنه من عند الله».